الصياد وظلم الملك...

يروى أن صياداً لديه زوجة وعيال، لم يرزقه الله بالصيد عدة أيام، حتى بدأ الزاد ينفد من البيت، وكان صابراً محتسباً، وبدأ الجوع يسري في الأبناء، والصياد كل يوم يخرج للبحر إلا أنه لا يرجع بشيء، وظل على هذا الحل عدة أيام، وذات يوم يئس من كثرة المحاولات، فقرّر أن يرمي الشبكة لآخر مرة، وإن لم يظهر بها شيء سيعود للمنزل ويكرر المحاولة في اليوم التالي، فدعا الله، ورمى الشبكة، وعندما بدأ بسحبها، أحسّ بثقلها، فاستبشر وفرح، وعندما أخرجها وجد بها سمكة كبيرة جدا لم ير مثلها في حياته.

(ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنهـا لا تفرج).

فأمسكها بيده، وظل يَسبْح في الخيال، ماذا سيفعل بهذه السمكة الكبيرة؟

فأخذ يُحدّث نفسه، سأطعم أبنائي من هذه السمكة، سأحتفظ بجزء منها للوجبات الأخرى، سأتصدق بجزء منها على الجيران، سأبيع الجزء الباقي منها، وقطع عليه أحلامه صوتُ جنود الملك، يطلبون منه إعطائهم السمكة، لأن الملك أُعجب بها، فلقد قدّر الله أن يمرَّ الملك مع موكبه في هذه اللحظة بجانب الصياد ويرى السمكة ويُعجب بها، فأمر جنوده بإحضارها، رفض الصياد إعطائهم السمكة، فهي رزقه وطعام أبنائه، وطلب منهم دفع ثمنها أولاً، إلا أنهم أخذوها منه بالقوة، وذهبوا بها الى القصر، وهناك طلب الحاكم من الطباخ أن يجهّز السمكة الكبيرة؛ ليتناولها على العشاء، وبعد أيام أصاب الملك داء عضال، فاستدعى الأطباء، فكشفوا عليه، وأخبروه: بأنَّ عليهم قطع إصبع قدمه، حتى لا ينتقل المرض لساقه، فرفض الملك بشدّة، وأمر بالبحث عن دواء له، وبعد مدة أمر بإحضار الأطباء من خارج المدينة، وعندما كشف الأطباء عليه أخبروه بوجوب بتر قدمه؛ لأن المرض انتقل إليها، ولكنه أيضاً عارض بشدة،بعد وقت ليس بالطويل، كشف الأطباء عليه مرة ثالثة، فرأوا أن المرض قد وصل لركبته فألحوا على الملك ليوافق على قطع ساقه لكي لا ينتشر المرض أكثر، فوافق الملك، وفعلاً قطعت ساقه.

  وفي هذه الإثناء حدثت اضطرابات في البلاد، وبدأ الناس يتذمّرون، فاستغرب الملك من هذه الأحداث، أولها: المرض وثانيها: الاضطرابات، فاستدعى أحد حكماء المدينة، وسأله عن رأيه فيما حدث فأجابه الحكيم: لابد أنك قد ظلمت أحداً؟ فأجاب الملك باستغراب: لكنّي لا أذكر أنني ظلمت أحداً من رعيتي، فقال الحكيم: تذكر جيدا، فلابد أن هذا نتيجة ظلمك لأحد، فتذكر الملك السمكة الكبيرة والصياد، وأمر الجنود بالبحث عن هذا الصياد وإحضاره على الفور، فتوجه الجنود للشاطئ، فوجدوا الصياد هناك، فأحضروه للملك فخاطب الملك الصياد قائلا: أصدقني القول، ماذا فعلت عندما أخذت منك السمكة الكبيرة؟

  فتكلم الصياد بخوف: لم أفعل شيئاً.

   فقال الملك: تكلم ولك الأمان، فاطمأن قلب الصياد قليلا وقال: توجهت إلى الله بالدعاء قائلا:( اللهم لقد أراني قوته عليّ، فأرني قوتك عليه).

لا تَظلِمنَّ إذا ما كنتَ مُقتدرا * * * فالظلمُ ترجعُ عقباهُ إلى الندمِ

تنامُ عيناكَ والمظـــلومُ مُنتبهٌ * * *   يدعو عليكَ وعـينُ اللهِ لم تَنَمِ

المصدر: مجلة بيوت المتقين، العدد (57)، صفحة (30)