كنت ووالدي نجلس في حديقة منزلنا، فقال أبي: ألا تسقي شجيرات الحديقة؟
فبادرت لفتح صنبور الماء عليها وحينها ذكرت عطش الإمام الحسين(عليه السلام) وتغرغرت عيناي بالدموع.
فقلت لأبي: لم يبق بيننا وبين زيارة الأربعين إلا أياما معدودات وهي من الزيارات المليونية لمرقد الإمام الحسين(عليه السلام) كما تعلم، وقد تمر علينا كما مرّت قبلها زيارة النصف من شعبان في ظل إجراءات صحية مشددة كحظر التجوال، وكحال شهر رمضان الذي مر علينا بغير حلته المعهودة، وكما مرت علينا زيارة عرفة بانخفاض ملحوظ في أعداد الزائرين من داخل وخارج العراق.
فقال: أسفي على ذلك، ولكني أحسست بعبرات كلامك، أحزنا كان على الإمام الحسين(عليه السلام) يا ولدي؟
قلت: اشتياقي لزيارته في العشرين من صفر، كالأيام الخوالي لما لها من الأجر والثواب العظيمين.
فقال: لابد أن نٌقرّ بحقيقة تاريخية تتعلق بزيارة الإمام الحسين(عليه السلام)، أن موالاته من الإيمان، وحبّه ثابت في القلب، والذهاب للزيارة وزيارة القبر الشريف هو الوارد في الأخبار عن أهل البيت(عليهم السلام)، ومرجعيتنا الرشيدة وجهت أخيراً بالالتزام بالتدابير الوقائية الصادرة عن المختصّين فيما يخص الزيارة أو غيرها من الفعاليات الدينية وغيرها.
فقلت: ألا يعتقد الزائرون أن قضية زيارة الإمام الحسين(عليه السلام) أكبر مما يرونه من إجراءات منعية وحظرية بسبب وباء أو غيره، كونها مرتبطة بظرف خاص، وهذا ما عرفوه بوجدانهم من خلال المنابر الحسينية ومحافلها؟
فقال: العقلاء يفهمون جيداً كيف يجمعون بين الشعائر الحسينية -ومنها الزيارة- وبين الوقاية من الوباء، وهو أمر ليس بصعب، أما الذين تقودهم عواطفهم وانفعالاتهم حتى في المسائل الاعتقادية فهم لا يمثلون العقل الشيعي خصوصاً في الأزمة الوبائية الحالية.
فقلت: ألا تعتقد أن الضغط النفسي في محبة الإمام الحسين(عليهم السلام) وعدم زيارته عامل وجوب لاغ لخطورة الوباء.
فقال: لا تلغى خطورة الوباء ولا يقل احتمال الضرر والإصابة إلا التدابير الوقائية الصادرة من المختصين، والمسألة لا تخص الزيارة فقط، بل حتى الأسواق وأماكن العمل والحافلات وغيرها، المعتبر هو الوقاية لتقيل احتمال الإصابة.
فقلت لأبي: إذاً ينبغي الكلام والتذكير بالوقاية وأدواتها لا في الزيارة والشعائر الأخرى؟
فقال: نعم بني، المرجعية تؤكد على الالتزام بقواعد السلامة، وعليها يتوقف الحكم على العمل في الأسواق وغيرها من التجمعات.
فقلت: كلامك جميل لكن تطبيقه صعب، نظراً لعدم السيطرة على كل فرد من حيث التزامه بالإجراءات الوقائية.
فقال: ولم الصعوبة في ذلك، فزيارات مراقد الأئمة المعصومين (عليهم السلام)، تلتقي فيها الأبعاد الحضارية والإنسانية، فهي ممارسات تحمل في طياتها عوامل الأمل والتفاؤل، وما أهون الإجراءات الوقائية في زيارات كهذه، مثل التزام المواكب الحسينية بالإجراءات الصحية، من استعمال أقداح الشاي والأكل ذات الاستخدام الواحد وقناني الماء المستقلة، وغيرها، فروح الزائر تتسامى في تطبيقها عن قناعة أم بغيرها هدفاً في تحقيق غايته وتجديد ولايته لأئمته (عليهم السلام).
فقلت: والآن أريد استيضاح بعض الأمور الشرعية إن سمحت لي.
قال: تفضل.
فقلت: فرضاً ما لو أقيمت المجالس الحسينية فهل يجب قطع المجلس والمبادرة إلى الصلاة عندما يحين وقتها؟ أو إتمام المجلس؟ وأيهما أولى؟
فقال: الأولى أداء الصلاة في أول وقتها، وتنظيم المجلس بنحو عدم التزاحم.
فقلت له: وما حكم فتح الأماكن التجارية في أيّام الزيارات الحزينة كأربعينية الإمام الحسين (عليه السلام)؟
فقال: إذا عدّ نوعاً من عدم اللامبالاة فيترك.
فقلت: هناك بعض مقاطع الفيديو يظهر فيها بعض الشباب من دون ارتداء القميص فهل يجوز للنساء مشاهدتهم؟
فقال: لا يجوز للمرأة النظر إلى ما لا يتعارف النظر إليه من بدن الرجل الأجنبي على الأحوط.
قلت: قد يقوم بعض المؤمنين في شهر صفر بل حتى في عموم أيام المناسبات الحزينة لأهل البيت (عليهم السلام) ببعض الأعمال، كالانتقال إلى بيت جديد، وشراء الأشياء الجديدة كالأثاث والملابس، وابتداء مشاريع جديدة، وغير ذلك. فما هو الموقف الشرعي لذلك؟
فقال: لا يحرم ممارسة ما ذكر.
قلت لأبي: هل يجوز الزواج في شهر صفر؟
فقال: إذا كان فيه هتك لحرمة أهل البيت (عليهم السلام) فهو حرام.
قلت: وما حكم التزين في شهر صفر للزوج فقط أي وضع المكياج وعمل البخور للبيت؟
قال: لا ينبغي فعل ذلك في أيام مصائب أهل البيت (عليهم السلام) وحزنهم، مثل ما لا يوقعه الإنسان عادة في أيام حزنه ومصابه بأحبائه إلاّ ما اقتضته الضرورة العرفية.
المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (54)