جاء في لسان العرب الشِّفاء: دواءٌ معروفٌ، وهو ما يُبرئُ من السَّقَم، والجمعُ أَشْفِيةٌ، وأَشافٍ جمعُ الجْمع، والفعل شَفاه الله من مَرَضهِ شِفاءً، ممدودٌ. واسْتَشْفى فلانٌ: طلبَ الشِّفاء. وأَشْفَيتُ فلاناً إذا وهَبتَ له شِفاءً من الدواء. ويقال: شِفاءُ العِيِّ السؤَالُ. أَبو عمرو: أَشْفى زيد عمراً إذا وَصَفَ له دواءً يكون شِفاؤه فيه.
وقد استعمل القرآن الكريم مادة الشفاء فعلاً واسماً في نفس المعنى، إلا أنه استعملها حقيقة في الأمراض البدنية، ومجازاً في الأمراض النفسية والقلبية، تبعاً لاستعمال لفظ المرض في الموردين.
فمن استعمالها في أمراض البدن قوله تعالى: (ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).[1]
ومن استعمالها في أمراض القلوب، قوله تعالى: (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ).[2]
يقول: ويبرئ داء صدور قوم مؤمنين بالله ورسوله، بقتل هؤلاء المشركين بأيديكم، وإذلالكم وقهركم إياهم. وذلك الداء، هو ما كان في قلوبهم عليهم من الموجدة بما كانوا ينالونهم به من الأذى والمكروه.
وربما يجمع الأمران في قوله تعالى: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ).[3]
ومن آيات شفاء القلوب، ما جاء في سورة الإسراء الآية رقم 82 أنه (شِفَاء وَرَحْمَةٌ) قال تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِين إَلاَّ خَسَارًا).
وأما الشفاء فواضح، وأما كونه رحمة للمؤمنين - فلأن القرآن ينور القلوب بنور العلم واليقين بعد ما يزيل عنها ظلمات الجهل والعمى والشك والريب، ويحليها بالملكات الفاضلة والحالات الشريفة الزاكية بعد ما يغسل عنها أوساخ الهيئات الردية والصفات السيئة.
فبما انه شفاء يزيل من القلوب أنواع الأمراض، وبما انه رحمة يعيد إليها ما افتقدته من الصحة والاستقامة الأصلية الفطرية فهو بكونه شفاء يطهر المحل من الموانع المضادة للسعادة ويهيؤها لقبولها، وبكونه رحمة يلبسه لباس السعادة وينعم عليه بنعمة الاستقامة. فالقرآن شفاء ورحمة للقلوب المريضة كما أنه هدى ورحمة للنفوس غير الآمنة من الضلال، وبذلك يظهر النكتة في ترتب الرحمة على الشفاء في قوله: ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين " فهو كقوله: (هدى ورحمة لقوم يؤمنون).[4]
فمعنى قوله: (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين) وننزل إليك أمرا يشفى أمراض القلوب ويزيلها ويعيد إليها حالة الصحة والاستقامة فتتمتع من نعمة السعادة والكرامة.[5]
الاستشفاء بالقرآن الكريم
ما يجدر الكلام فيه أيضاً فيما يتعلق بهذا الموضوع هو الاستشفاء بالقرآن الكريم، ومنشأ هذه الفكرة ما ورد عن أهل البيت (عليهم السلام) في تعليم الشيعة لبعض الآيات والسور طلباً للشفاء من بعض الأمراض، باعتبار أن القرآن الكريم منشأ البركات، والفضائل، ولا تتوقف فضائل القرآن على الجانب التشريعي والعقائدي؛ بل هي مطلقة لكلِّ ما يتصوَّره العقل أو يمكن له أن يتصوَّره، فالكلام في بركات القرآن وفضائله ممَّا لا يمكن أن نستوعبه في هذا المقال.
البركات العلاجية:
اعلم أن القرآن شفاء لكل داء - كما ورد في الأخبار – وتفسير ذلك لا يعني إنكار قانون العلة والمعلول في هذا المجال، بل يمكن تفسير العلة هنا بأن الله تعالى جعل في آيات القرآن الكريم لغة عجيبة لها تأثير خاص على خلايا الجسم، وهذا ما ا يتوصل إليه العلوم البحتة التي تدرس الأمراض وعلاجاتها، ولذلك قال تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا)[6]، فهذه الآية تدل على أن الله قد أودع في آياته الشفاء والهدى لنا، وكما قلنا قبل قليل قد يكون هذا الشفاء يتعلق بأمراض الأبدان وقد يتعلق بأمراض القلوب؛ المهم في المر إن هذه الفكرة لا تعارض مع قانون العلية العقلي الذي تقوم عليه أكثر العلوم.
وقد ورد عن أهل البيت (عليهم السلام) أن قراءة بعض سور القرآن الكريم تنفع في شفاء بعض الأمراض، منها: ما ورد عن عبد الله (عليه السلام): (ما اشتكى أحد من المؤمنين شكاية قط فقال بإخلاص نية ومسح موضع العلة ويقول: (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا) إلا عوفي من تلك العلة أية علة كانت، ومصداق ذلك في الآية حيث يقول شفاء ورحمة للمؤمنين). [7]
ومنها: ما عن الإمام عن الباقر (عليه السلام) قال: شكي رجل إلى علي (عليه السلام) وجع الظهر وأنه يسهر الليل فقال: ضع يدك على الموضع الذي تشتكي منه واقرأ ثلاثا: (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) واقرأ سبع مرات: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فىِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ) إلى آخرها فإنك تعافي من العلل إن شاء الله.[8]
ومنها: ما عن أبي بصير قال: شكى رجل إلى أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) وجع السرة فقال له: اذهب فضع يدك على الموضع الذي تشتكي وقل: (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيم حَمِيد) ثلاثا فإنك تعافي بإذن الله).[9]
وغير ذلك من الروايات الكثيرة جداً المروية في الكتب الحديثية المعتبرة عن أئمتنا (عليهم السلام).