يُعرف الشيعة الأصوليون بالدقة والتحقيق في الأخبار والروايات الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله)، أو عن الأئمة الأطهار (عليهم السلام)، ولهم في ذلك كتب ومصنفات خاصة في الرواة بالجرح والتعديل، والبحث عن حال الرواة الذين يذكرون في سند كل رواية، كما أنهم أسسوا قواعد ومباني خاصة وعامة في ذلك، كل ذلك حرصاً منهم على أن يكون دينهم رصيناً قوياً ثابتاً، لا يأتيه الباطل مهما كان قليلاً ضعيفاً.
كما أن المتتبع يجد أن علماء الشيعة يردّون اجماعات الأمة الإسلامية والتي تخصّ قضايا عديدة –ومنها قضية خلافة النبي (صلى الله عليه وآله) – بدعوى: أنه ليس فيها قول المعصوم، أو إمضاؤه، وهذا أمر مشهور عنهم، جعلهم يقفون بقوة أمام الشبهات التي تواجههم على مدى العصور.
لكننا وجدنا في بعض الكتابات من يطلق الشبهات منطلقاً من معرفته بالشيعة وسيرتهم في التعامل مع الأخبار، فيقول: بعدة تثبت علماء الشيعة من ناحية تقبل الرواية إلا أنهم يتسامحون غاية التسامح في مسألة مهمة وجوهرية في مذهبهم، وهي مسألة وجود الإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف) التي ينكرها عليهم كثير من الفرق المخالفة، منطلقين من إنكار ولادته(عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وعدم التثبّت الكافي من حصول هذا الحدث المتعلق بوجود الإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف) أصلاً، حيث نجدهم يقبلون قول امرأة يسمونها حكيمة، وهي المرأة التي روت قصة ولادة الإمام الثاني عشر(عجل الله تعالى فرجه الشريف) لهم، وهم يستندون إلى كلامها في ولادة ووجود المهدي المنتظر(عجل الله تعالى فرجه الشريف).
والواقع - إذا التزمنا الموضوعية في الطرح - يرد هذه الشبهة، ويدفع هذا الوهم عن أذهان أصحابها، فليتابع الجواب، وينظر فيه بدقّة:
أما الوهم الأول، الذي يعيب على الشيعة الأخذ بإجماع الأمة في مسألة الخلافة؛ فإنه لا إجماع أصلاً - حتى على مباني الأمة - على خلافة أبي بكر، إذ أن أحد أعمدة الإجماع لم يدخل في الإجماع، أقصد أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) كيف وهو المنكر والمعترض على تقمّص الرجل لها، وهو القائل: «أَمَا وَاللهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ [فلان]! وإِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى»[1] فلا إجماع واقعاً.
ولو سلّمنا به - من حيث الأحداث التي جرت على أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم السقيفة - فإنه إجماع قد فرضه التهديد والقوّة، لدرجة أن يعتدى على الزهراء (عليها السلام) بنت النبي (صلى الله عليه وآله) ويسقط جنينها، ويستعد القوم لمحاولة إحراق بيتها، فإن إجماعاً ينشأ عن هذه الأجواء المشحونة بالعنف والتعدي لا تكون له قيمة، ولا يصح العمل به.
الوهم الثاني: وهو أن ولادة ووجود الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) مستند إلى رواية امرأة (السيدة حكيمة (رضي الله عنها))، فإنا لا نسلّم بهذه الدعوى، وإن ثبوت ولادة الإمام المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) لم تستند الشيعة فيها لمجرد إخبار عمته بولادته، مع أن عمته من المؤمنات الصالحات (رضي الله عنها)، بل هم يستندون في ذلك إلى عدّة أمور:
1- قول وإخبار الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) نفسه، حيث روي عنه أنه قال: «لما ولد الصاحب (عليه السلام) بعث الله عز وجل ملكين فحملاه الى سرادق العرش حتى وقف بين يدي الله، فقال له مرحباً بك، وبك أُعطي، وبك أعفو، وبك أُعذّب».
2- رؤية جماعة من الأصحاب لذلك المولود السعيد، منهم نسيم الخادم، قال: دخلت على صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بعد مولده بليلة، فعطست عنده، فقال لي: (يرحمك الله)، قال نسيم: ففرحت بذلك، فقال لي: (إلّا أبشرك في العطاس؟)، فقلت بلى، قال: (هو أمان من الموت ثلاثة أيام)[2].
3- العمومات الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله) مثل عدم خلو الأرض من حجة، ودلالة حديث الثقلين في ملازمة أهل البيت (عليهم السلام) للقرآن إلى يوم القيامة، وغيرها.
4- اعتراف عدد كثير من علماء أهل السنة بولادته (عليه السلام)، لاحظ سبط ابن الجوزي الحنفي، المتوفى سنة654 هجرية، ذكر في كتابه تذكرة الخواص عن الإمامِ المَهدِيِّ: «هو مُحمَّدُ بنُ الحَسنِ بنِ عليِّ بنِ مُحمَّدِ بنِ عليِّ بنِ مُوسَى الرِّضا بنِ جَعفَرِ بنِ مُحمَّدِ بنِ عليِّ بنِ الحُسَينِ بنِ عليِّ بنِ أبِي طَالبٍ(عليهم السلام)، وكُنيَتُه أبو عَبدِ اللهِ، وأبو القَاسمِ، وهو الخَلفُ الحُجَّةُ، صَاحِبُ الزَّمانِ، القَائمُ، والمُنتَظَرُ، والتَّالِي، وهو آخِرُ الأئمَّةِ»[3].
فبعد كل هذا يتضح بطلان هذه الدعوى، مع أن هذا الجواب لا يقلّل من شأن السيدة حكيمة (رضي الله عنها)، وما هي عليه من المنزلة والصلاح والإيمان.
المصدر: مجلة اليقين العدد (70)