هذا موضوع مهم، لأن البعض قد يختلط عليه الأمر فلا يتوضح عنده معنى ما، بالتالي تضعف أو تتشوش عنده بعض المفاهيم المتعلقة بالدين والعقيدة.
الفرق بين المعجزة والکرامة
الکرامات لطف من الله عزوجل يخصّ بها بعض عباده، وقد أکّد القرآن وجودها في آيات عديدة مثل قوله تعالى في مريم ابنة عمران (عليها السلام): (... كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ الله...)[1].
حيث أنّه كان يجد عندها فاكهة الصيف في فصل الشتاء، وفاكهة الشتاء في فصل الصيف، وهناك في التاريخ الإسلامي روايات تخبر عن کرامات عديدة لبعض الصحابة من بينهم سلمان الفارسي وأويس القرني وغيرهما.
أوجه الشبه بين المعجزة والکرامة، إنهما يشتركان بتعلقهما بالجانب الغيبي، وإن صاحب الکرامة وصاحب المعجزة کلاهما لهم منزلة عند الله عز وجل، تنتج عنها المعجزة أو الكرامة.
كذلك توجد فروق بين المعجزات والكرامات منها: إن عبادة الله تعالى وسعي الإنسان إلى التکامل والخلوص لله عز وجل في شؤونه، هو منشأ الكرامة، والمناط في حصولها، بينما المعجزة أصل ذاتي في نفس النبي والإمام لا يرتبط بمقدمة عبادية، بل هي شأن من شؤون النبوة أو الإمامة، وإن الله اختار شخصاً لمهمة إلهية وأيده بالمعجزة، والفرق واضح بين من حصل على الکرامة من خلال عبادته لله وإخلاصه وتكامله، وبين من اختاره الله أساساً واصطفاه هادياً للناس جميعاً، ومنحة التصرف بالكائنات الأخرى على وجه الحجة والدليل.
والفرق الثاني، إن المعجزة تتعلّق بالتحدي، والاحتجاج على المنكر لصدق الدعوى الإلهية، أما الكرامات فلا تقترن بمسألة التحدي والإثبات، بل هي هبات إلهية يكرّم بها الباري عز وجل من يشاء من عباده.
الفرق بين المعجزة والسحر
إن السحر لا حظَّ له من الحقيقية، وإنما هو إيهام الحواس والذهن فيُتوهم ما ليس حقيقة حقيقة، وقد عبّر القرآن الكريم عن فعل سحرة فرعون بالسحر العظيم، ذلك عندما ألقى السحرة حبالهم وعصيهم، فأوهموا أبصار الحاضرين أنها أفاعي تسعى وتتحرّك أمامهم، (...فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ)[2].
كما عبّر القرآن الكريم عن هذا السحر بالخيال، بمعنى غير الحقيقة: (...فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ)[3].
أما المعجزة فهي من الحقيقة والأمر الواقع، فعندما أمر الله عز وجل النبي موسى(عليه السلام) أن يلقي عصاه، كان السحرة أوّل من أدرك أن فعل النبي موسى(عليه السلام) ليس من الخيال والإيهام، وهومن سنخ الحقيقة والواقع، ولهذا اهتزوا بشدّة، وآمنوا بالله الواحد القهّار وهووا ساجدين لربّ موسى وهارون، (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى)[4].
إذاً السحر وهم وخيال، أما المعجزة فهي حقيقة واقعية، ليست وهماً أو خدعة للحواس، فناقة النبي صالح(عليه السلام) التي خرجت من قلب الصخور هي ناقة حقيقية ـ تأكل وتشرب وتدر اللبن، وعصا النبي موسى(عليه السلام) كانت أفعى حقيقية غير وهمية، وكبش النبي إبراهيم(عليه السلام) كان كذلك أيضاً
ثم إن الساحر لا يستطيع أن يقوم بکل ما يطلب منه، لأن السحر هو فن من الفنون، ويخضع لقوانين الطبيعة، ولا علاقة له بالغيب والسماء، أما المعجزات فهي خارقة لقانون الطبيعة بصلة وليست هي من الفنون المكتسبة التي يتقنها من ينوي تعلمها.
المعجزة والرياضة الروحية
نسمع أو نقرأ عن بعض الناس يقومون بأعمال يصعب تفسيرها علمياً، ولا يستطيع عامة الناس القيام بها، فما هو الفرق بين ما يقومون به من أعمال خارقة وبين المعجزات؟
إن أصحاب الرياضات الروحية يمارسون مجموعة من التمارين النفسية، وتكون عنيفة في الغالب، وفيها تعذيب شديد للجسد والحرمان من اللذائذ، فتحصل لديهم قوّة خفية يفعلون بها بعض الأفعال.
أما المعجزة، فهي تحصل لصاحبها دون تمرين أو رياضة أو تعذيب، بل قد تحصل حتى للرضيع، كما تکلّم في المهد سيّدنا عيسى(عليه السلام).
كما أن أعمال المرتاضين تكون محدودة، وفي مناسبات محدودة، فلا يستطيع الإتيان بكل ما يطلب منه، أما المعجزة فهي غير محدودة، لا تتقيد بزمان ولا مكان ولا أفعال معينة.
وأيضاً يعتبر الارتياض فناً كسبياً، ربما تحصل آثاره حتى لغير المؤمنين، أما المعجزة فهي ليست كسبية، بل أمر متصل بالغيب مرتبط بأصحاب الإيمان خاصة..
مجلة ولاء الشباب العدد (61)