لقد لقِيَ أهل البيت (عليهم السلام)، الكثير الكثير من الظلم، ولم تخلُ حقبة من الزمن مرّتْ عليهم من أَلمٍ وظلْم وجوْر، لم يترك لهم صغيراً ولا كبيراً، ولا امرأة أو رجلاً، إلا مقتولا أو مسموما.
وما زاد في هذه المظلومية، تجاهل التأريخ لجرائم أعدائهم في حقّهم، وخلق التبريرات والعلل التي تصحح تلك الجرائم، وتلبسها ثوباً نظيفاً أمام الأجيال القادمة.
وقد أدركوا (عليهم السلام) أن الظالمين باستيلائهم على الحكم سيكتبون التأريخ بما يصور جرائمهم بشكل آخر، ويطمس آثار أهل البيت، فعمدوا (عليهم السلام) إلى نشر الوقائع وحفظها في صدور أصحابهم وأمرهم إياهم بتدوينها خوفا عليها من محاولات طمس هوية الإمامة وباقي أركان الإسلام، فكانوا (عليهم السلام)، يستخدمون أساليب مختلفة ليبينوا أحقيتهم وفضلهم، ومن هذه الأساليب الاحتجاجات والمناظرات، مع المسلمين وغيرهم، فاجتمع من آثارهم الشيء الكثير الذي يسلط الضوء على تاريخهم وعصرهم وما لاقوه فيه من الاضطهاد وتزييف الحقائق، وقد جمع أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي احتجاجات النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) في كتاب أسماه (الاحتجاج) بجزأين، علّق عليه السيد محمد باقر الخرسان، وقدّم له العلامة الجليل السيد محمد بحر العلوم، وفيه عدّة محاور وفصول:
منها ما جاء عن النبي (صلى الله عليه وآله) من الجدال والمناظرة مع من خالف الإسلام وهداهم له كممثلي الأديان الخمسة اليهود، والنصارى، والدهرية، والثنوية، ومشركي العرب، وكذلك احتجاج النبي (صلى الله عليه وآله) يوم الغدير بولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) ومن بعده ولده من الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين.
ومنها: احتجاجات أمير المؤمنين المختلفة كامتناعه (عليه السلام) عن البيعة واحتجاجه عليهم بأحقيته بالخلافة ومناشدته لهم أن يشهدوا بما سمعوه يوم غدير خم من قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من كنت مولاه فهذا علي مولاه»، والهجوم على دار علي (عليه السلام) وإكراهه على البيعة، وما جرى بعد ذلك من أحداث، واحتجاجه (عليه السلام) على أبي بكر وعمر لمّا منعا فاطمة الزهراء (عليها السلام) فدكا بالكتاب والسنة، وغيرها الكثير.
ومنها احتجاج فاطمة (عليها السلام) على أبي بكر في أمر فدك.
ومنها احتجاج سلمان المحمدي (رضي الله عنه) في خطبة خطبها بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) على القوم لمّا تركوا أمير المؤمنين (عليه السلام) واختاروا غيره ونبذوا العهد المأخوذ عليهم وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون.
حتى يذكر شيئا كثيرا من احتجاجات سائر الأئمة (عليه السلام)، فكان بين يدي القرّاء الكرام كتاب جليل، يعتبر من المصادر القيمة في موضوعه فيحتوي على ذِكرِ جملٍ من المحاورات في الفروع والأصول مع أهل الخلاف وذوي الفضول، قد جادلوا فيها بالحق من الكلام وبلغوا غاية كل مرام، وبذلك ارتفعت درجاتهم وانتشرت فضائلهم (عليه السلام).
مجلة ولاء الشباب العدد (3)