حصل نقاش بين الدكتور محمد التيجاني السماوي وجماعة بحضور أحد علماء السنة، فقال للحاضرين: إن بعض من يطلق عليهم لقب أمير المؤمنين قد قتل أبناء رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومنهم من أباح المدينة لجيشه، وتقولون بأنّهم اجتهدوا وأخطأوا ولهم أجر واحد، فيعني ذلك:
لو انتقدت بعض الصحابة -وهذا لا يقاس بما فعلوه- فإن اجتهدت في ذلك وأصبت فلي أجرٌ، وإن أخطأت فلي أجر واحد.
فتدخّل العالم قائلاً: يا بُني لقد أُغلق باب الاجتهاد.
فقال التيجاني: ومن أغلقه؟
قال العالم: أئمة السُّنة الأربع.
فقال التيجاني: الحمد لله إذ لم يكن الله ورسوله قد أغلقاه، ولا الخلفاء الراشدون الذين أُمرنا بالاقتداء بهم، فليس عليّ حرج إذا اجتهدت كما اجتهدوا.
فقال العالم: إلّا إذا عرفت سبعة عشر علماً، منها: علم التفسير، والحديث، والتاريخ.. وغير ذلك.
فقال التيجاني: لا أريد الاجتهاد لأُبيّن للناس أحكام القرآن والسنّة، ولكن لأعرف من كان على الحق ومن كان على الباطل.
قال العالم: وما الداعي لذلك؟ (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[1].
فقال التيجاني: أتقرأ (ولا تسألون) بفتح التّاء أم بضمّها؟
قال العالم: (تُسألون) بالضمّ.
فقال التيجاني: لو كانت بالفتح لامتنع البحث، وما دامت بالضم، فمعناها أنّ الله تعالى لا يحاسبنا عمّا فعلوا إذ (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ)[2]، وقد حثّ القرآن على استطلاع أخبار الامم السابقة؛ لنستخلص منها العِبر، ومعرفة الحق من الباطل.
قال العالم: مهما شككت فلا تشك في الخلفاء، فهم أعمدة الاسلام إذا هدّمت عمودا منها سقط البناء.
فقال التيجاني: فأين رسول الله(صلى الله عليه وآله) من ذلك البناء؟
قال العالم: هو ذاك البناء فهو الاسلام كلّه.
فقال التيجاني: فأنت تقول بأنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) لم يكن ليستقيم إلّا بهؤلاء الأربعة، بينما يقول الله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللهِ شَهِيدًا)[3].
قال العالم: هذا ما تعلّمناه، وجيلكم أصبح مشكّكاً حتى في الدين.
فقال التيجاني: أعوذ بالله، فقد آمنت بالله ورسوله، فكيف تقول ذلك؟
قال العالم: لشكك في أبي بكر، وقد قال النبي (صلى الله عليه وآله) فيه: «لو وزن إيمان أمّتي بإيمان أبي بكر، لرجح إيمان أبي بكر».
فقال التيجاني: ما بعثني لهذا الشك هو نفس كلام النبي (صلى الله عليه وآله)، فروي أنّه قال عن شهداء أُحد: «هؤلاء أشهد عليهم»، فقال أبو بكر للنبي: ألسنا إخوانهم، أسلمنا كما أسلموا، فقال (صلى الله عليه وآله): «بلى، ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي»، فبكى أبو بكر[4]، ولأن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يشهد له، لما يحدثه من بعده، فلي الحق في الشك فيه، وأتبيّن الحقيقة، فهذا الحديث يناقض حديثك الوارد في فضل أبي بكر.
فقال الحاضرون في المجلس: وكيف ذلك؟
فقال التيجاني: إن النبي(صلى الله عليه وآله) لم يشهد لأبي بكر، والتاريخ يؤيد أنه أغضب فاطمة(عليها السلام)، وهي بنت الرسول(صلى الله عليه وآله)، حتى ندم قبل وفاته[5]، فتمنى أنه لو لم يكن بشراً (لوددت أني شجرة على جانب الطريق...ولم أكن من البشر)[6]، فحديث ترجيح إيمان أبي بكر على إيمان الأمة لا يخلوا من التأني فيه، فلا يمكن لرجل قضى شطراً من حياته في الشرك، أرجح إيماناً من أمّة محمّد(صلى الله عليه وآله) بأسرها.
فقال بعض الجالسين: لقد بعث والله هذا الحديث الشك فينا.
فقال العالم: أهذا ما تريده لقد شككّت هؤلاء في دينهم!
فقال أحد الجالسين: كلا، إنّ الحق معه[7].
مجلة اليقين، العدد (31)، الصفحة (8 - 9).