قال بعضهم: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)[1]، لا تدل على عصمة أهل البيت (عليهم السلام)؛ لأن الآية إذا كانت دليلاً على عصمتهم فلِمَ جاءت بصيغة المضارع (يُرِيدُ)، ولم تأتِ بصيغة الماضي (أرادَ)!؟ وإن كانوا معصومين سابقاً فلِمَ يريد الله عصمتهم الآن؟ فهو من تحصيل الحاصل؟[2].
ونجيب عن ذلك بنقطتين:
الأولى: في بيان لفظ الإرادة ونوعها:
أولاً: في بيان لفظة الإرادة: ـ يُرِيدُ ـ في الآية الكريمة لغوياً، فأراد الشيء إرادةً شاءه، وتأتي بمعنى القصد، والإرادة أخصُّ من المشيئة؛ لأنّ المشيئة ابتداء العزم، فربما شئت شيئاً ولا تريده لمانع عقليٍّ أو شرعيّ[3].
ثانيا: في بيان نوع الإرادة:
تضمنت العديد من آيات القرآن الكريم نوعين من الإرادة:
1ـ إرادة تكوينية: وهي إرادة الله النافذة، ومشيئته الحتميّة، كقوله تعالى: (وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ..)[4].
2ـ إرادة تشريعيّة: وفيها الأوامر والنّواهي الإلهية، كقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ..)[5]، إذ جاءت فيها عدّةُ تشريعات عن الوضوء كالغسل للوجه والمسح للرأس واليدين والرجلين.
ويتّضح من ذلك أنَّ الإرادةَ في آية التّطهير تكوينيّة؛ ولعدّة أمور:
أ- عدم إمكان تصوّر إرادة تشريعيّة من دون تشريعاتٌ معيَّنة يتحقَّق المراد التشريعي من خلالها.
ب- لا وجه لاختصاص الإرادة التشريعيّة بالتطهير من الذّنوب بأهل البيت (عليهم السلام) في الآية؛ لأنّ جميع التّشريعات ترتبط أساساً بتطهير الناّس سواء بسواء، وعليه فلا بدّ أنْ تكون الإرادة تكوينيّةً لتختصّ بأهل البيت (عليهم السلام) وعصمتهم.
وفي الكتاب العزيز كفاية في ذلك، قال تعالى: (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)[6]، فليس معناه: أنّ الله تعالى كان يريد العسر بعباده والآن أراد بهم اليسر.
فيتَّضح جليّاً: أنَّ المراد من كلمة (يُرِيدُ) هو الاستمرارية في الأزمنة الثلاثة، وكذا في آية التطهير، فإذهاب الرّجس فيها عن أهل البيت (عليهم السلام) مستمرّة في الماضي والحاضر والمستقبل.
الثانية: وفيها زاويتان:
الزاوية الأولى: الزاوية النّحويّة: أنّ اللاّم ـ لام الجرّ ـ في قوله تعالى: (لِيُذْهِبَ) زائدةٌ تفيد التّوكيد، وأصلها (أنْ يذهب) فيكون المعنى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لأنْ يُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ)، والفعل بعد هذه اللام منصوب بـ (أنْ) المضمرة. لقول ابن هشام الأنصاري في شرح قطر الندى ص66، وشرح شذور الذهب، ص 383.
وقال الجرجاويّ ـ الوقّاد ـ كذلك: ولام التوكيد، وهي الزائدة، نحو: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ الْبَيْتِ).
وبالتالي أفادت هذه (اللام) تأكيد طهارتهم السابقة[7].
أما الزاوية الثانية: فهي الزاوية الدلالية للفظة (ليذهب) في آية التطهير:
إنّ كلمة الإذهاب يصحّ استعمالها فيما هو ثابت، فتكون رفعاً للموجود، وتستعمل فيما هو غير ثابت، فتكون دفعاً لورود الشيء، فمثلا لو التقيت سقيماً عزيزا عليك فتدعو له بالشفاء، بقولك: (اللّهمّ أذهِبْ عنه المرض)، وكذا لو التقيت سليماً صحيحاً، فتدعو له بنفس الدّعاء، لكن في حالة الدّعاء للمريض يكون معنى الإذهاب فيها الرّفع، أي اللهم ارفعْ عنه المرض، وفي حالة الدعاء للسليم يكون الإذهاب بمعنى الدفع، أي: ادفعْ عنه المرض كي لا يُصاب به.
وعلى ما تقدّم يكون معنى كلمة (لِيُذْهِبَ) في آية التطهير هي الدفع، أيْ يدفع الله تعالى الرّجس عن أهل البيت(عليهم السلام)، لا أنّ الرّجس موجود فيهم وإرادةُ الله جاءتْ لترفعَه عنهم؛ وذلك لعصمة النبيّ(صلى الله عليه وآله) السابقة على نزول الآية كما هو معروف عند جميع الطوائف الإسلامية، ولصحّة استعمال الإذهاب فيما هو غيرُ ثابت، كما ذكرنا بقرينة قوله (عَنكُمُ)، فلو كان الإذهابُ بمعنى الرّفع لقال (منكم)، وقرينة أخرى في المقام وهي عدم بلوغ الحسنين(عليهم السلام) فكانا صغيرين حين نزول آية التطهير فلا رجس فيهم حتّى ترفعه الآية فدعوى رفع الرّجس عنهما سالبة بانتفاء الموضوع لأنّهما صغيران.
المصدر: مجلة اليقين، العدد (59 - 60)، الصفحة (10).