أم خالد المعبدية

حديثنا عن صحابية مؤمنة برزت في عالم العقيدة والإيمان، وهي أم خالد المعبدية [العبدية: نسبة إلى عبد قيس]، وقد ذكرت لها المجامع الحديثية ما يدّل على خالص إيمانها ويقين عقيدتها وصدق ولائها لأهل البيت(عليهم السلام)، ونحن نذكر موقفين لها للاختصار، الأول:

عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: دَخَلَتْ أُمُّ خَالِدٍ الْعَبْدِيَّةُ عَلى أَبِي عَبْدِ اللهِ(عليه السلام) وَأَنَا عِنْدَهُ، فَقَالَتْ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنَّهُ يَعْتَرِينِي قَرَاقِرُ (وهو صوت البطن) فِي بَطْنِي، فَسَأَلَتْهُ عَنْ أَعْلَالِ النِّسَاءِ، وَقَالَتْ: وَقَدْ وَصَفَ لِي أَطِبَّاءُ الْعِرَاقِ النَّبِيذَ بِالسَّوِيقِ، وَقَدْ وَقَفْتُ وَعَرَفْتُ كَرَاهَتَكَ لَهُ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ ذلِكَ. فَقَالَ لَهَا(عليه السلام): «وَمَا يَمْنَعُكِ مِنْ شُرْبِهِ؟». قَالَتْ: قَدْ قَلَّدْتُكَ دِينِي، فَأَلْقَى اللهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ حِينَ أَلْقَاهُ، فَأُخْبِرُهُ أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ(عليه السلام) أَمَرَنِي وَنَهَانِي. فَقَالَ(عليه السلام): «يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، أَلَا تَسْمَعُ إِلى هذِهِ الْمَرْأَةِ وَهذِهِ الْمَسَائِلِ؟ لَا وَاللهِ، لَا آذَنُ لَكِ فِي قَطْرَةٍ مِنْهُ، وَلَا تَذُوقِي مِنْهُ قَطْرَةً؛ فَإِنَّمَا تَنْدَمِينَ إِذَا بَلَغَتْ نَفْسُكِ هَاهُنَا ـ وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلى حَنْجَرَتِهِ يَقُولُهَا ثَلَاثاً ـ أَفَهِمْتِ؟» قَالَتْ: نَعَمْ. ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ(عليه السلام): «مَا يَبُلُّ الْمِيلَ -ما يجعل به الكحل في العين- يُنَجِّسُ حُبّاً -الجرّة الضخمة- مِنْ مَاءٍ» يَقُولُهَا ثَلَاثاً[1].

هذا موقف، والموقف الآخر:

عَنْ أَبِي بَصِيرٍ أَيضاً، قَالَ: كُنْتُ جَالِسا عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللهِ(عليه السلام) إِذْ دَخَلَتْ عَلَيْنَا أُمُّ خَالِدٍ، الَّتِي كَانَ قَطَعَهَا (أي: قطع يدها) يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ تَسْتَأْذِنُ عَلَيْهِ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ(عليه السلام): «أَ يَسُرُّكَ أَنْ تَسْمَعَ كَلَامَهَا؟، قَالَ: فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَذِنَ لَهَا. قَالَ: وَأَجْلَسَنِي مَعَهُ عَلَى الطِّنْفِسَةِ. قَالَ: ثُمَّ دَخَلَتْ، فَتَكَلَّمَتْ، فَإِذَا امْرَأَةٌ بَلِيغَةٌ، فَسَأَلَتْهُ عَنْهُمَا، فَقَالَ لَهَا: «تَوَلَّيْهِمَا»؟ قَالَتْ: فَأَقُولُ لِرَبِّي إِذَا لَقِيتُهُ: إِنَّكَ أَمَرْتَنِي بِوَلَايَتِهِمَا؟ قَالَ: «نَعَمْ». قَالَتْ: فَإِنَّ هذَا الَّذِي مَعَكَ عَلَى الطِّنْفِسَةِ يَأْمُرُنِي بِالْبَرَاءَةِ مِنْهُمَا، وَكَثِيرٌ النَّوَاءُ يَأْمُرُنِي بِوَلَايَتِهِمَا، فَأَيُّهُمَا خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ(عليه السلام): «هذَا وَاللهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كَثِيرٍ النَّوَاءِ وَأَصْحَابِهِ، إِنَّ هذَا يُخَاصِمُ، فَيَقُولُ(عليه السلام): (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ)، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ)، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ)[2].

المصدر: مجلة اليقين العدد (59)، الصفحة (11).

 


[1] الكافي، الكليني: ج12.

[2] الوافي، الشيخ الفيض الكاشاني: ج2، ص202.