قال العلامة المجلسي (رحمه الله): «أعلم أنّ كثيراً من العلماء لا يحصل لهم التوفيق بفطنة توقفهم على معاني الأخبار، ولا رؤية تنقلهم من رقدة الغفلة إلى الاستيقاظ، ولو تدبّروا أقوال الأئمّة في مدح المختار لعلموا أنّه من السابقين المجاهدين، الذين مدحهم الله تعالى جلّ جلاله في كتابه المبين، ودعاء زين العابدين(عليه السلام) للمختار دليل واضح، وبرهان لائح، على أنّه عنده من المصطفين الأخيار»[1].
ودعاء زين العابدين(عليه السلام) هو أنّه(عليه السلام) لمّا أتي برأس عبيد الله بن زياد، ورأس عمر بن سعد قال: فخرّ ساجداً وقال: «الحَمدُ لله الَّذي أدرَكَ لي ثأري مِن أعدائي، وجَزَىَ الله المُختارَ خَيراً»[2].
بعد ما ذبلت الزهور واصفرت الأوراق ويبست الأغصان في البيوت الهاشمية والبساتين العلوية، حيث أجردها الخريف الأموي، بعد جريمة مقتل الحسين(عليه السلام) جاء تلك الغيمة البيضاء تحمل بيديها الحازمين شموع النور الموقدة من جذوة الشمس الحزينة، فتتوزع على أبواب المهمومين والمفجوعين لتقرّ عيونهم وترتاح نفوسهم، بقدر ذلك الضوء المنبعث الذي رسم بعض السرور في قلوب الهاشميين والهاشميات.
نعم إنّها غيمة بيضاء، نثرت الندى وقطرات المطر على الحياة، فأورقت بها الأشجار، وابتلت العروق اليابسة التي تأثرت بالنار الظالمة التي أحرقت خياماً كانت تحت فيئها ترتع معاني القيم الإنسانية، والدين والأخلاق (ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ)، ذلك المختار الذي جرى على يديه نهر السرور والفرح للقلوب الحزينة الوالهة وترطبت به الشفاه اليابسة من عطش كربلاء.
ومن الطبيعي أن يُرمى ذلك النور بالحجر، ممن يحبّ حياة الظلام ويكره عيش النور، لكنّه كان مثل عطاء النخيل:
يُرمى بصخر فيرمي أطيب الثمر.
وهل شيء أطيب من رضا بيوت النبوّة
مجلة ولاء الشباب العدد (68)