ليس منا من يعتقد أن الدعاء والتضرع إلى الله تعالى عند المرض، وطلب الشفاء والعافية منه عز وجل، يكفي في حصول دفع المرض، وما من عاقل يترك مراجعة الطبيب حينما يعتريه ألم أو مرض، إذا كانت مراجعته ميسورة وممكنة، معتمداً على الدعاء والتضرع، لكن البعض أحياناً يفرّط في أمر الدعاء، أو يُفْرط في جانب الدواء، فيحصل عنده الاضطراب النفسي، والتردد بين الجانبين، مما يؤثر على حالته النفسية.
والحقيقة أنه لا تزاحم بين الأمرين حتى يقع فيهما الاختلاف بين الناس، ولا مانع من اجتماعهما لحصول الأثر عند صاحب الحاجة، وتوهم التزاحم هو الذي يولد التردد والحيرة عند الإنسان.
توجد أحاديث عديدة وردت عن أهل البيت(عليهم السلام) تدعو الناس إلى العلاج بواسطة الدعاء أو الاستشفاء بالآيات القرآنية، ولكن في المقابل توجد روايات كثيرة أخرى تحث الناس على التداوي عند المختصين بالأدوية التي تكون ملائمة للحالة المرضية، فلا تنافي بين هذا وذاك.
إن ضرورة ووجوب التداوي بالعلاج المادي ناشئة من دفع الضرر أو من الأوامر الشرعية الصادرة عنهم(عليهم السلام) في ذلك، كموثّقة الحسين بن علوان المروي في قرب الإسناد عن جعفر عن أبيه عن جابر، قال: قيل يَا رَسُولَ الله أَ نَتَدَاوَى؟ قَالَ: «نَعَمْ، فَتَدَاوُوا فَإِنَّ الله لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ دَواء»[1].
وربما توهم البعض عدم وجوب التداوي مطلقاً حتى من الأمراض المهلكة لاستبداله بالدعاء والتوكل، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلى اللهِ فَهُوَ حَسْبُه)[2]، وقال تعالى: (ادْعُونِيَ أسْتَجِبْ لَكُمْ)[3]، بل إن البعض تجاوز الأمر فأشكل على العلماء حين ذهابهم للعلاج، أو عدم اكتفائهم بتناول التربة الحسينية مثلاً، أو غيرها من العلاجات القرآنية.
وهذا أمر يكذبه الواقع، ولا يقرّ به العقلاء من المسلمين وغيرهم، ولو تم هذا المعنى فإن فاعلية الدعاء والآيات القرآنية ينبغي أن لا تختص بعلاج الأمراض، وإنما تتعدّى إلى كلّ أمر متوقّف على أسبابه، كالتكسب وتحصيل المعاش والرزق، وحتّى تحصيل العلم أيضاً، بل لازم هذا الكلام عدم وجوب حفظ النفس، بالابتعاد عن الخطر، والاكتفاء بالدعاء والتوكل على الله.
كما أنّ التوكّل على الله تعالى والإقرار بربوبيته لا ينافي سعي الإنسان إلى تحصيل الأسباب الطبيعية الخارجية، ولا الأسباب الطبيعية تمنع من التوكل، بل العقل والشرع والعرف على تحصيل النتائج باجتماعهما، وهو ما أقرّه الإمام الصادق(عليه السلام): «اعْقِلْ رَاحِلَتَكَ وتَوَكَّلْ عَلَى الله»[4]، والمعنى أيها العبد ينبغي عليك تحقيق السبب الطبيعي ومن ثم التوكل على الله، ومناجاته والتضرّع إليه لإتمام النتيجة على وجه الخير والفائدة، وذلك لأن الدعاء والذكر والأوراد لم تشرّع لإبطال الأسباب الطبيعية قطعاً، وفي سيرة الأئمة(عليهم السلام) نجد أنهم تداووا وأمروا أتباعهم بالتداوي كما قدّمنا، فعن الإمام الصادق(عليه السلام): «إنَّ نَبِيّاً مِنَ الأَنبِياءِ مَرِضَ، فَقالَ: لا أتَداوى حَتّى يَكونَ الَّذي أمرَضَني هُوَ الَّذي يَشفيني، فَأَوحَى الله عز وجل: لا أشفيكَ حَتّى تَتَداوى؛ فَإِنَّ الشِّفاءَ مِنّي»[5].
والخلاصة، إن الله تبارك وتعالى بمقتضى حكمته في تدبير الكون فإنه جعله يسير ويحاكي نظام الأسباب، فعن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: «أَبَى الله أَنْ يُجْرِيَ الْأَشْيَاءَ إِلَّا بِأَسْبَابٍ فَجَعَلَ لِكُلِّ شَيْءٍ سَبَباً»[6].
وعليه يمكن القول في هذا المجال إن الأسباب على قسمين: مادي خارجي، وهو العلاجات الطبية التي يصفها الطبيب للمريض، وروحي غير مادي، وهو الذي يرد عن أئمة الهدى(عليهم السلام) من الأدعية والأذكار والأعمال التي لها دخل في علاج الأمراض بشرط عدم المانع من الاستجابة، ولا ينحصر السبب بالدواء ولا بالدعاء، والإنسان العاقل هو من يوفر أكبر قدر ممكن من الأسباب المؤدية إلى النتيجة المطلوبة، فيسعى لتحصيل العلاج من الطبيب الحاذق، كما يدعو الله تبارك وتعالى، ويتوكل عليه.
مجلة ولاء الشباب العدد (58)