دولة العدل الإلهي

يسأل بعض المؤمنين: هل ستكون وظيفة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) نشر راية العدل والقسط، وقمع الظلم والجور فقط؟ أم يصاحبها إحياء الدين والفكر والثقافة وغيرها من شؤون الحياة الإنسانية؟

منشأ هذا السؤال أن أشهر خبر ورد عن دولة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) لم يذكر فيه غير إقامة العدل، حيث جاء فيه «فَيَمْلَأُ بِهِ الْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً»[1] .

ظاهر الكثير من الروايات في هذا الخصوص أنّ دولته (عليه السلام) المباركة سوف تجمع الناس جميعاً تحت راية الدين الإِسلامي، وجميع الشعوب في العالم سوف يدخلون في الإسلام، ومن تلك الروايات:

1- عن الإِمام الباقر (عليه السلام): «القَائِمُ مِنّا مَنْصُورٌ بِالرُّعْبِ، مُؤَیَّدٌ بِالنَّصْرِ، تُطْوی لَهُ الأَرْضُ، وَتَظْهَرُ لَهُ الکُنُوزُ، یَبْلُغُ سُلْطانُهُ المَشْرِقَ وَالمَغْرِبَ، وَیُظْهِرُاللهُ عَزَّوَجَلَّ بِهِ دِینَهُ عَلَی الدِّینِ کُلِّهِ وَلَوکَرِهَ المُشْرِکُونَ»[2].

2- عن الإمام الباقر(عليه السلام) في قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)[3]، قال: «إنّ ذلك يكون عند خروج المهدي من آل محمد(عليهم السلام)، فلا يبقى أحد إلا أقرّ بمحمد(صلى الله عليه وآله)» مرآة العقول، المجلسي: ج5، ص137.

3- وقال الإمام الصادق(عليه السلام): «إذا قام القائم حكم بالعدل، وارتفع في أيامه الجور، وأمنت به السبل، وأخرجت الأرض بركاتها، ورد كلّ حق إلى أهله، ولم يبقَ أهل دين حتى يظهروا الإسلام ويعترفوا بالإيمان، أما سمعتَ الله تعالى يقول: (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)[4]، وحكم بين الناس بحكم داود وحكم محمد(عليهم السلام)، فحينئذ تظهر الأرض كنوزها وتبدي بركاتها، فلا يجد الرجل منكم يومئذ موضعاً لصدقته، ولا لبرِّه؛ لشمول الغنى جميع المؤمنين»[5]

وهناك روايات أخرى غير ما ذكرنا تتحدث عن هذا المضمون، وهو أنّ الدولة العادلة للإمام (عليه السلام) لا تقتصر على النجاح في نشر العدل والقسط في الأرض، بل ستتبنى - إضافة إلى ذلك - نشر الدين الإسلامي في آفاق المعمورة، وترفع راية الولاء والطاعة لله الواحد القهار، ولا يبقى مكان حينئذٍ لشريعة غير الشريعة الإسلامية على وجه الأرض.

هذا من ناحية الإيمان والكفر وحال الديانات الأخرى في الدولة المباركة.

أما من ناحية الالتزام بالأحكام الشرعية، فالظاهر أن الناس في زمانه (عليه السلام) سوف يلتزمون بالآداب الدينية والتعاليم الشرعية بدرجة عالية، باعتبار أن الأجواء العامة أجواء إسلامية، وباعتبار حضور الإمام(عليه السلام) ودوره في إرشاد وتوجيه الناس إلى العمل والانقياد للتكاليف الشرعية.

ومن الروايات التي تشير إلى التوجه الديني ما ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) مخبراً عن أحوال الناس في دولة الإمام المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف): «تُؤْتَوْنَ الْحِكْمَةَ فِي زَمَانِهِ حَتَّى إِنَّ الْمَرْأَةَ لتَقْضِي فِي بَيْتِهَا بِكِتَابِ اللهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِ الله»[6].

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث عن عصر ظهوره (عجل الله تعالى فرجه الشريف): «ويهلك الأشرار، ويبقى الأخيار، ولا يبقى من يبغض أهل البيت(عليهم السلام)»[7]

وأيضاً عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصف حال المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف): «لا يَترُكُ بِدعَةً إلّا أزالَها، ولا سُنَّةً إلّا أقامَها»[8].

والخلاصة من كل ما تقدم، أن دولة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) سينتهي فيها الظلم حتماً، ويحل محلّه العدل في جميع أمور العباد، وسينتشر الدين والأخلاق بين الناس، ويكون المجتمع الإسلامي حينذاك مجتمعاً مثالياً، يسوده الخير والطمأنينة والاستقرار ما لم يتحقق قبل ظهوره (عجل الله تعالى فرجه الشريف).

المصدر: مجلة اليقين العدد (36)

 


[1] كشف الغمة، الإربلي: ج3، ص271.     

[2] كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق: ص331.   

[3] التوبة: 9.

[4] آل عمران: 83.

[5]  كشف الغمة، الأربلي: ج3، ص264.

[6] الغيبة، النعماني: ج1، ص 239.  

[7] إلزام الناصب، اليزدي الحائري: ج2، ص258.

[8] مستدرك سفينة البحار، على النمازي: ج10، ص516.