لا شك أنّ الأخلاق الحسنة هي الشيء الوحيد الذي يدوم إلى الأبد، وتجلب لصاحبها الاحترام، والمحبّة، ومن الأماني والآمال التي يطمح إليها كل إنسان، ويسعى جاهداً في كسبها وتحقيقها، أن يكون ذا شخصية جذّابة، ومكانة مرموقة، محبباً لدى الناس، عزيزاً عندهم.
بَيدَ أنّ جميع تلك القيم والفضائل، لا تكون مدعاة للإعجاب، وسمو المنزلة، ورفعة الشأن، إلّا إذا اقترنت بحسن الخلق، وازدانت بجماله الزاهر، ونوره الوضّاء. فإذا ما تجردت منه فقدت قيمها الأصيلة، وغدت صوراً شوهاء تُثير السأم والتذمر؛ لذلك كان حُسن الخُلق ملاك الفضائل، وفي مقالنا هذا سنتطرق إلى معرفة حُسن الخُلق، وماهي مكانته، وآثاره، وثوابه...
حُسن الخُلق: حالة تبعث على حسن معاشرة الناس، ومجاملتهم بالبشاشة، وطيب القول، ولطف المداراة. نستقي ذلك من الإمام الصادق (عليه السلام) حينما سُئل عن تعريف حسن الخلق، فقال هو: «تلين جناحك، وتطيب كلامك، وتلقى أخاك ببشر حسن»[1].
مكانة حُسن الخُلق
مدح الإسلام حُسن الخُلق مدحاً كبيراً، فتوالت الأحاديث عن النبي(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته(عليهم السلام) مبيّنة مكانة أصحاب الخُلق الحَسن، منها:
نصف الدين: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «حُسن الخُلق نصفُ الدين»[2].
أكمل الإيمان: قال(صلى الله عليه وآله): «إن ّأكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً»[3].
رأس البرّ: قال عليّ(عليه السلام): «حُسن الخُلق رأس كلّ بِرٍّ»[4].
ثواب الخُلق الحَسن
أفضل الحسنات: ورد أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) سُئل عن أفضل الحسنات عند الله، فقال: «حُسن الخُلق، والتواضع، والصبر على البلية، والرضاء بالقضاء»[5].
ثوابه كالجهاد: قال الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ الله تبارك وتعالى ليُعطي العبد من الثواب على حُسن الخُلق كما يُعطي المجاهد في سبيل الله، يغدو عليه ويروح»[6].
آثار حسن الخلق
من الآثار الإيجابيّة التي أشارت إليها الأحاديث الشريفة هي:
يوجب المحبّة: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) «حُسن الخُلق يُثبت المودّة»[7].
يزيد في الرزق: عن الإمام عليّ (عليه السلام) قال: «بحُسن الأخلاق تُدرّ الأرزاق»[8].
أهل البيت ورحابة الخلق
سجّل لنا التاريخ وقائع كثيرة تتجلّى فيها رحابة الإسلام في تعاليمه الخُلقية، فهذه أخلاق أهل البيت (عليهم السلام) شاهدة بعد أن جسّدت لنا معنى أن يحافظ الإنسان على قيمه وأخلاقه حتى مع المخالف في المذهب والدين.
فعن الإمام الباقر عن أبيه (عليهما السلام) قال: «إنّ علياً(عليه السلام) صاحب ذمّياً، فقال الذمّي: أين تريد يا عبد الله؟ قال: أريد الكوفة، فلمّا عدل الطريق بالذمّي عدل معه علي(عليه السلام)، فقال له الذمّي: أليس زعمت تريد الكوفة؟ قال(عليه السلام): بلى .
فقال الذمّي: فقد تركت الطريق. فقال (عليه السلام): علمت. فقال له: فلم عدلت معي وقد علمت ذلك؟ فقال (عليه السلام): هذا من تمام حُسن الصحبة، أن يُشيع الرجل صاحبه هنيئة إذا فارقه، بكذا أمرنا نبينا (صلى الله عليه وآله). فقال له: بهذا؟ فقال: نعم.
فقال الذمّي: لا جرم إنّما تبعه مَن تبعه لأفعاله الكريمة، وأنا أشهد أنّي على دينك، فرجع الذمّي مع علي (عليه السلام) وأسلم»[9].
المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (52)
[1] الكافي، الكليني: ج2، ص103.
[2]الخصال، الصدوق: ص30.
[3] تحف العقول، ابن شعبة الحراني: ص47.
[4] ميزان الحكمة، الريشهري: ج1، ص779.
[5] ميزان الحكمة، الريشهري: ج1، ص637
[6] الكافي، الكليني: ج1، ص101.
[7] أعيان الشيعة، محسن الأمين: ج1، ص300.
[8] عيون الحكم والمواعظ، الواسطيّ: ص212.
[9] بحار الأنوار، المجلسي: ج41، ص53.