القرآن والحياة

يُجمع المسلمون أن القرآن الكريم هو كتاب يجمع بين دفتيه كلام الله تعالى الذي أنزله على النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وآله) وفيه تعاليم الإسلام في تنظيم حياة الإنسان الاجتماعية والدينية والاقتصادية وغير ذلك من جوانب الحياة المختلفة.

وقد اكتسب القرآن الكريم قداسة إلهية بسبب هذه الأوصاف، وكانت له أحكامه الخاصة التي تحفظ مكانته ومنزلته عند الله تعالى وعند الناس كذلك؛ مثل عدم جواز لمس كلماته وآياته من دون طهارة، ووجوب إبعاده عن كل ما يصدق عليه هتك ومساس به وذم من يفعل ذلك عن عمد، قال تعالى: (ذَٰلِكُم بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۚ فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ).[1]

وبما يناسب هذا المقام المقدس للقرآن الكريم لا بد من معرفة المسلم بواجباته وآداب التعامل مع هذا الكتاب الإلهي، وهي أمور كثيرة ينبغي أن تحدد العلاقة بين كل مسلم وبينه، والتي منها:

1_ إن القرآن الكريم يتعبّد بقراءته وتلاوته، فلابد من أداء هذه العبادة وإن كانت مستحبة إلا أن ثوابها كثير، قال تعالى: ﴿... فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ...﴾[2]، كما روي عن أبي جعفر (عليه ‌السلام) قال: قال رسول الله (صلى ‌الله ‌عليه وآله): (مَن قَرَأَ عَشرَ آياتٍ في لَيلَةٍ لَم يُكتَب مِنَ الغافِلينَ، ومَن قَرَأَ خَمسينَ آيَةً كُتِبَ مِنَ الذّاكِرينَ، ومَنْ قَرَأ مِائةَ آيةٍ كُتِبَ مِنَ القَانِتينَ).[3]

وفعلاً نرى اليوم دول الإسلام تهتم بتعليم قراءة القرآن وتحفيظه، وترتيله وتجويده في المساجد والمدارس والحسينيات والمراكز والمؤسسات التربوية.

2- الاستعاذة من الشيطان الرجيم عند قراءة القرآن، وهو قوله تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾[4]، وقد ورد عن الإمام أبي محمّد الحسن العسكري (عليه السلام): (أما قوله الذي ندبك الله إليه وأمرك به عند قراءة القرآن أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، فإنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: إن قوله: أعوذ بالله أي أمتنع بالله ـ إلى أن قال ـ والاستعاذة هي ما قد أمر الله به عباده عند قراءتهم القرآن بقوله (وإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم)، ومن تأدّب بأدب الله أدّاه إلى الفلاح الدائم)[5].

3- الإنصات عند قراءة القرآن، قال تعالى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾.[6]

والفرق بين الإنصات والاستماع أن الإنصات يحصل بالتفرغ والتركيز في كل كلمة يتفوه بها المتحدث.

أما الاستماع، فهو الإدراك والاستيعاب للكلمات التي تقع على الآذان دون التركيز فيها، فيكون الاستماع مقدمة للإنصات.

وقد حث أهل البيت (عليهم السلام) على الإنصات للقرآن الكريم حيث ورد عن زرارة، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (يجب الإنصات للقرآن في الصلاة وفي غيرها، وإذا قرئ عندك القرآن وجب عليك الإنصات والاستماع).[7] وعن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال عليه السلام: (يستحبّ الإنصات والاستماع في الصلاة وغيرها للقرآن).[8]   

4- التدبر في القرآن وهو من الأمور المهمة جداً، قال تعالى: (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)[9] وقال جل شأنه: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ).[10]

إن التدبر في القرآن له درجات ومراتب، كذلك تختلف أثار كل درجة على النفس عن الأخرى، والجميع يغترف على قدر طاقته وقابليته ومؤهلاته العلمية، لكن ثمة معنى يحصل بالتدبر بمقدار يفهم منه المسلم ما سفيده من المعنى، فلا يترك أحد التدبر بحجة عدم العلم أو قلة الفهم.   

5- العمل بالقرآن الكريم: ترجمة المفاهيم والمعاني القرآنية إلى سلوك وعمل هو الغرض الأول، والهدف الأسمى، كيف وهو كتاب هدى، (ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) [11]

فالقرآن الكريم ليس الهدف منه القراءة والترتيل، ولا الاستشفاء بآياته الكريمة فقط، وليس هو كتاب استخارة لا غير، بل هو منهج عملي لحياة الإنسان، وهو منهج حق ونفع، فالواجب العمل بما جاء به من أحكام وتوجيهات وآداب؛ كي ينعم الإنسان بالحياة الصحيحة بمعانيها السامية في الدارين.

فينبغي التعامل مع القرآن الكريم على أسس فكرية وعملية بصورة متوازنة، فهو برنامج البشرية للسلام والتقدم والسعادة، فلا يكتفى بالفوائد والمعطيات غير العملية، وإنما نستلهم الحياة ببصيرة العبودية لله تعالى شأنه وجلّ قدره. 

وهذا ما نسبته الآيات الكريمة من صفات للقرآن الكريم، فهو ﴿... هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ البقرة: آية 3 و ﴿هُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾[12] و﴿... بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً ...﴾.[13]

إنّ الكثير مثل هذه الآيات تبيّن بوضوح أنّ القرآن هو منهج عام لحياة الإنسان، فيه البصائر والهداية وشفاء القلوب، وفيه ضمان للسعادة في الدنيا والآخرة.

 


[1] الجاثية: الآية،35.

[2] المزمل: آية 20.

[3] معاني الأخبار، الشيخ الصدوق: ج1، ص147.

[4] النحل، آية 98.

[5] تفسير الإمام العسكري (عليه السلام): ج3، ص16. 

[6] الأعراف، آية 204.

[7] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج92، ص221.

[8] مستدرك الوسائل، الشيخ النوري: ج4، ص276.

[9] محمّد، آية:۲٤.

[10] ص، آية:۲۹.

[11] البقرة: آية 3.

[12] النمل: آية 2.

[13] الجاثية: آية 20.