يقول نور الله التستري في كتابه (الصوارم المهرقة في نقد الصواعق المحرقة: ص 78): ومما ينبغي أن ينبه عليه: أن أبا عبيدة هو الذي جادل وخاصم مع عليٍّ (عليه السلام) في أمر الخلافة عند إحضارهم له عندهم بعد بيعة السقيفة؛ ليأخذوا منه البيعة أيضاً، كما هو المذكور المشهور في التواريخ المعتبرة من كتب السنّة والجماعة، ولهذا قال شاعر أهل البيت (عليهم السلام) مشيراً إلى الخائن أبي عبيدة الذي سمّاه القوم أميناً:
غلط الأمين فجازها عن حيدر والله مـا كــان الأمــين أمينــا
وقد ذهب ذلك على السيد الشريف الجرجاني في (شرح المواقف) فزعم أن هذا البيت من شعر الغلاة، وان المراد من الأمين جبرائيل(عليه السلام) وإن ضمير (جازها) راجع إلى النبوة.
ولعل أقدم من نسب وجود فرقة يقال لها الغرابية هو ابن قتيبة في (تأويل مختلف الحديث: ص140)، حيث قال: (وهي فرقة من فرق الروافض تقول ان علياً أشبه بالنبي(صلى الله عليه وآله) من الغراب بالغراب، فغلط جبرائيل(عليه السلام) حين بعث إلى علي شبهه به).
هذا الكلام الطائش غير العلمي هو الذي أسس فرية خيانة جبرئيل(عليه السلام).
ومن عجائب القوم في هذه الفرية أنهم يتجاهلون أنّ الشيعة يشهدون في أذانهم وإقامتهم وصلواتهم أن محمداً رسول الله(صلى الله عليه وآله).
ومن العجيب أن الملك المقرّب يحصل له الوهم بين رجل عمره أربعين سنة، وطفل عمره سبع سنين وهذا ما لا يحصل حتى للمجانين، كيف والله تعالى يصف الملائكة: (لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[1].
إضافة إلى شهادة القرآن الذي يتعبد به الشيعة بنبوة محمد(صلى الله عليه وآله)، قال تعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ)[2]، وقال تعالى: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ)[3]، وقال تعالى: (وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ)[4]، إلا أن يتجاوزوا على ساحة الربوبية، ويقولوا إن الله تعالى أمضى خيانة جبرئيل(عليه السلام)، وسلّم بالخطأ، وعدل بالرسالة عن علي(عليه السلام) إلى محمد(صلى الله عليه وآله).
ثم أن الشيعة هي الفرقة الوحيدة من بين الفرق التي تقول بعصمة الأنبياء والأئمة(عليهم السلام)، فإذا كان الأئمة معصومين(عليهم السلام) وهم بشر، فكيف بجبرئيل وهو ملك مقرب سماه رب العزة والجبروت بـ(الروح الأمين).
وثمة أمر آخر هو: أن كتب مذهب أهل البيت(عليهم السلام) تثبت وتستدل بالعقل والنقل على نبوة نبينا محمد(صلى الله عليه وآله)، وتنزيهه من كل زيف، وانحراف، وعصمته في كل شيء، على عكس كتب العامة الذين يقولون بعصمة النبي(صلى الله عليه وآله) في أداء الرسالة فقط.
لذا نحن ننصح طلاب الحقيقة، بأن ظمأ العالم البشري لمعرفة الحقائق في عصرنا الحاضر لا مثيل له. وعلى كل طالب علم أن يسعى ويَجِدُّ من أجل المعرفة الحقيقية التي توصله في أخر المطاف إلى ساحل الإِيمان.
مجلة اليقين العدد (30)