جامع كاشف الغطاء

جامع كاشف الغطاء

هو مسجد أنشئ قبل أكثر من مائتى عام بجوار مرقد أمير المؤمنين (عليه السلام) وسمي باسم بانيه، ويحتل مكانة بارزة في نفوس أهالي النجف الأشرف.

  ويقع المسجد على بعد (150) متراً من مرقد أمير المؤمنين (عليه السلام)، وبين بيوتات نجفية قديمة يقف شاخصاً مسجد كاشف الغطاء بشكله المهيب العتيق حيث يترآى للناظر انه أمام مسجد كباقي مساجد النجف الكثيرة، ولكن ما ان يطرق باب هذا المسجد ويدخل في تفاصيله يجد نفسه أمام صرح ديني تاريخي يحمل بين ثناياه ذكريات التاريخ ويروي لك أحداثاً كثيرة.

قام ببناء هذا المسجد الشيخ كاشف الغطاء (رحمه الله) على مساحة تقدر بألف متر مربع وسمي بـ (مسجد كاشف الغطاء) نسبة إلى لقبه، وأوصى بدفنه بعد وفاته في مقبرة ملحقة بالمسجد.

  من خلال أزقة نصل إلى باب المسجد الذي صنع من الخشب الصاج، وعند الدخول إلى المسجد تواجهنا باحة مربعة الشكل بمساحة (60) متراً مربعاً، بعدها تدخل الحرم الذي يفصله عن الباحة ثلاثة أبواب كبيرة تعلوها أقواس بنيت من الآجر، أمّا سقف المسجد فقد بني من الطابوق والجص (أي: العكادة) وبطريقة يسميها النجفيون (الدهنات)أي: القبب، وهي طريقة قديمة في البناء.

يستند السقف إلى خمسة أعمدة ضخمه بنيت من الطابوق أيضا، إضافة إلى وجود المحراب على الجدار الجنوبي وقد زُيّن بالكاشي الكربلائي، مضافا إلى وجود منبر خشبي صغير تبدو عليه آثار القدم.

والجهة الشمالية لباحة المسجد يوجد فيها باب ينفتح على غرفة يوجد فيها قبر الشيخ كاشف الغطاء(رحمه الله)، والتي يعلوها قبة جميلة.

نشاطات المسجد

 مضافاً إلى إقامة الصلاة في هذا المسجد وإقامة مجالس ذكر أهل البيت (عليهم السلام) في مصائبهم وأفراحهم، يعتبر هذا المسجد من الأماكن التي تعطى فيها الدروس الحوزوية حيث يتواجد فيه الكثير من طلبة حوزة النجف الأشرف لتلقي معارف أهل البيت (عليهم السلام)

الشيخ جعفر كاشف الغطاء (قدس سره):

   من الفقهاء العظام الذين عاشوا في القرن الثالث عشر من الهجرة النبويّة على مهاجرها (صلى الله عليه وآله) آلاف التحيّة والثناء أية اللَّه والمرجع الديني الكبير الشيخ جعفر ابن الشيخ خضر بن يحيى الجناجي النجفي المعروف بالشيخ جعفر كاشف الغطاء، والمولود في منطقة جناجة التابعة لقضاء الهندية في كربلاء المقدسة، رأس آل كاشف الغطاء، والشهير بجعفر الكبير وشيخ المشايخ، من مشاهير فقهاء الشيعة الإثني عشريَّة وتلامذة المجدد الوحيد البهبهاني.

كان فقيهاً وأصولياً ومتكلماً ومحققاً ومؤلفاً، ومرجع تقليد للشيعة وأديباً وشاعراً. لقّب بكاشف الغطاء بعد تأليفه لكتابه الفقهي المشهور «كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء «. وصار لقباً لعائلته وذريته من بعده، ولا تزال ذريَّته تسمى بآل كاشف الغطاء.

مولده ووفاته ومدفنه:

توجه والده «خضر» الذي كان يعتبر من علماء وزهّاد عصره من جناجة إلى النجف طلباً للعلم، وأقام في هذه المدينة وتوفي عام 1181.

ولد الشيخ جعفر في مدينة النجف الأشرف، وإليها نسبته النجفي، وكانت ولادته سنة 1156 هـ، ودرس على أبيه مبادئ العلوم ثم حضر الدراسات العليا في الفقه والأصول عند علماء مشهورين في العراق.

بعد ذلك أصبح الشيخ كاشف الغطاء من المجتهدين والعلماء المشهورين، وكان يحضر حلقة درسه علماء كثيرون وأصبح عدد منهم من الفقهاء والمحققين الكبار الذين سطع نجمهم في سماء العلوم الدينية في العالم الإسلامي وكان من أبرزهم الشيخ محمد حسن النجفي صاحب الجواهر (ت: 1266هـ)، وغيره كثير.

وتوفي الشيخ كاشف الغطاء (قدس سره) يوم الأربعاء عند ارتفاع النهار في 22 أو 27 رجب سنة 1227 ه‍، ودفن في مقبرته المشهورة في محلَّة العمارة بالنجف الاشرف.

مشايخه

 تلقى الشيخ جعفر علومه ومعارفه على يد كبار علماء عصره ومنهم: والده الشيخ خضر، والشيخ محمد مهدي الفتوني العاملي، والشيخ محمد تقي الدورقي، والسيد صادق الفحّام، والشيخ الوحيد البهبهاني، وحضر عند السيد مهدي بحر العلوم أخيراً بعد أن رحلَ من كربلاء إلى النجف لمدة قليلة تقرب من ستة أشهر.

تلامذته

تتلمذ عليه الكثير من العلماء، وقد انحصر منبر التدريس بهِ في الحوزة العلمية في النجف بعد وفاة السيد مهدي بحر العلوم سنة (1212هـ)، فحضر عنده جميع أصحاب السيد ورجعوا إليه، للاغتراف من بحر علمه، فكان أستاذ رجال تلك الفترة على الإطلاق. وقد تخرج من منبره الكثير من الفقهاء المشاهير.

مؤلفاته

ترك الشيخ جعفر آثاراً مهمة تدل على سمو منزلته، وعظم عطائه، فأتحف المكتبة الشيعية بعدد مهم من المؤلفات القيمة والرائعة. ومن اهمها: كتاب كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء.

سيرته العلمية

كان كاشف الغطاء متبحراً في الفقه والأصول، ويدلّ ما ألّفه في هذين العلمين ولاسيما كتابه (كشف الغطاء) على طول باعه في استنباط الأحكام، وقد ألّف هذا الكتاب أثناء سفره إلى إيران ولم يكن يحمل معه سوى كتاب القواعد للعلامة الحلي. وقيل إن الشيخ مرتضى الأنصاري (1214 ـ 1281 هـ) قال: إن من يعرف قواعد وأصول هذا الكتاب هو مجتهد عندي. وكان قد ادعى قائلا: لو أني فقدت جميع الكتب الفقهية لكان باستطاعتي كتابة جميع الأبواب والأبحاث الفقهية من أولها إلى آخرها، وقد اعترف الفقهاء المعاصرون له والمتأخرون بتبحره العلمي والفقهي.

رئاسة الشيعة

تولّى الشيخ جعفر بعد وفاة السيد بحر العلوم الرئاسة الدينية للشيعة في العراق وإيران والبلاد الأخرى. وازدادت شهرته ونفوذه الاجتماعي والسياسي وقد كان كاشف الغطاء مرجع تقليد الشيعة عملياً.

سيرته الأخلاقيّة:

كان للشيخ كاشف الغطاء سيرة ومُثلُ أخلاقيّة بارزة، نشير إلى بعضها:

أ - التهجّد والعبوديّة

  مع كثرة اهتمامات الشيخ كاشف الغطاء (قدس سره) العلميّة والاجتماعيّة، كان يقوم قسطاً من الليل بالصلاة والمناجاة والتضرّع، ويوقظ أهله أيضاً لصلاة الليل.

ب - عنايته بالتفقّه

وكان من دأبه أن يأمر بتهيئة الطعام ليجتمع أولاده في الأكل ثم يتباحثون بعده في علم الفقه

د - حمايته للضعفاء والفقراء والمساكين

ونذكر نبذة من ذلك:

1 - كان من دأب الشيخ (رحمه الله) كلَّما صلَّى بالجماعة أن يأخذ طرف ردائه ويدور بين الصفوف ويجمع الدراهم والدنانير ويعطيها للفقراء والمساكين.

2 - وقالوا: إنّ الشيخ قسّم أموالًا بين فقراء أصفهان وبعد نفادها قام للصّلاة، فطلب منه سيّد بين الصلاتين أن يساعده، فقال له الشيخ: جئت متأخّراً ولم يبق شيء، فغضب السيّد وأهانه وبصق على لحيته! فقام الشيخ وأخذ طرف ردائه ودار بين الصفوف وهو يقول: من يحبّ لحية الشيخ فليساعد السيّد، فاجتمع في ردائه كثير من المال فأعطاه للسيّد وأقام صلاة العصر.

المصدر: بيوت المتقين (35) شهر ذي القعدة 1437هـ