من دون شك أنّ للعقيدة مع العبادة بمفهومها العام ترابطاً وثيقاً، ولا ينفك أحدهما عن الآخر ذلك؛ لإنّ العقيدة الصحيحة تدعو إلى العمل الصالح، وهذا العمل الصالح هو كلّه عبادة بمفهومها العام، فالدعاء والصلاة والصيام وباقي الفروع الدينية كلّها عبادة، نتقرّب بها إلى المولى تعالى، وكذلك الأعمال الصالحة الأخرى كالضرب في الأرض لإصابة الرزق، أو مساعدة الناس، أو قضاء حوائج المؤمنين، أو مواصلة الأرحام، أو غير ذلك من الأعمال الكثيرة التي لا يتناسب في هذه السطور إحصاؤها، بل إنّ العقيدة الصحيحة واليقينية لا تكون كذلك ما لم تُترجم على مستوى العبادة العملية بشكلها العام، وخير دليل على ذلك هي سيرة الأنبياء والأولياء المعصومين(عليهم السلام)، فإنّهم كلّما ازدادت عقيدتهم زادت عبادتهم ووقوفهم بين يدي الله تعالى، قال تعالى: (طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى)[1]، فعن علي(عليه السلام) قال: لما نزل على النبي(صلى الله عليه وآله): (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً)، قام الليل كلّه حتى تورّمت قدماه، فجعل يرفع رجلاً و يضع رجلاً، فهبط عليه جبريل فقال: «طه» يعني طأِ الأرض بقدميك يا محمد (مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى) وأنزل (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ)[2]، وهكذا هو حال أمير المؤمنين(عليه السلام) الذي كانت له حالات عبادية مع الله تعالى يعجز الخلق عنها، فالتوجّه العبادي الخالص لله تعالى كاشف عن عقيدة شديدة بالله جلّ وعلا، وإلّا لم يلتذ أولياء الله بخلواتهم وتهجّدهم مع المولى تعالى، ولم ينقطعوا عن الدنيا وأهلها وملذاتها وزخرفها وزبرجها؛ لما عرفوا وصلوا من لذة القرب والأنس بالله تعالى، ودعاء الإمام الحسين(عليه السلام) وانقطاعه عشية عرفات كاشف كلّ الكشف عن مدى تلك العلاقة ما بين العقيدة والعبادة، فكلاهما يدعو إلى الآخر، فلا عقيدة نافعة ومثمرة إلّا بلزوم العبادة وإخلاصها، ولا عبادة نافعة ومثمرة إلّا بنور العقيدة الصحيحة، فهما ركيزتا المؤمن والمؤمنة في كمال دينهم وتسليمهم.
مجلة اليقين العدد (65)