اجتمع عند معاوية يوماً عمرو بن عثمان، وعمرو ابن العاص، وعتبة بن أبي سفيان، والوليد بن عقبة، والمغيرة بن شعبة، وقد تواطؤا على التنكيل بالإمام الحسن وأمير المؤمنين(عليهما السلام).
فقالوا لمعاوية: ألا تبعث إلى الحسن بن علي فتحضره.
فقال لهم معاوية: إنّي أخاف أن يقلّدكم قلائد يبقى عليكم عارها حتى يدخلكم قبوركم.
قال ابن العاص: أَتخاف أن يتسامى باطله على حقّنا؟
قال: لا.
فقال عتبة: والله ما تستطيعون أن تلقوه بأكثر مما في أنفسكم.
فبعث معاوية إليه، فلما جاء الإمام(عليه السلام) رحّب به معاوية وأجلسه.
فقال ابن عثمان: ما سمعت كاليوم أن بقيَ من بني عبد المطلب على وجه الأرض بعد قتل الخليفة عثمان، فيا ذُلاه أن يكون حسن وسائر بني عبد المطلب قتلة عثمان، أحياء يمشون على مناكب الأرض، وعثمان بدمه مضرّج، مع أنّ لنا فيهم تسعة عشر دماً من بني أُميّة ببدر.
وقال ابن العاص: بعثنا إليك لنقرّرك أنّ أباك سمَّ أبا بكر الصدّيق، واشترك في قتل عمر وعثمان، وادّعى ما ليس له بحق.
وقال عتبة: يا حسن، إنّ أباك كان شرَّ قريش لقريش، أقطعه لأرحامها، وأسفكه لدمائها، وإنّك لمن قتلة عثمان، وإنّ الحقّ أن نقتلك به، وأمّا الخلافة فلست فيها.
وقال الوليد: قتلتم عثمان حرصاً على الملك، وطلباً للدنيا الخبيثة.
وقال المغيرة: ظنّنا لأبيك في ضمّه قتلة عثمان، وإيوائه لهم، أنّه بقتله راضٍ.
واسترسل القوم في شتم الإمام الحسن وأمير المؤمنين(عليه السلام).
فتكلّم الإمام الحسن(عليه السلام) قائلاً: أنشدكم بالله هل تعلمون أنّ الرجل الذي شتمتموه صلّى القبلتين وبايع البيعتين وأنتم جميعاً في ضلالة تعبدون اللّات والعزّى، ولقيكم مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) يوم بدر، ويوم أحد ويوم الأحزاب ومعه راية النبي(صلى الله عليه وآله) والمؤمنين، ومعك يا معاوية راية المشركين، وكل ذلك ورسول الله(صلى الله عليه وآله) عنه راضٍ، وأنت بالأُولى كافر، وبالأُخرى ناكث.
وذكر الإمام(عليه السلام) الكثير من الشواهد في مناقب أمير المؤمنين(عليه السلام) وولايته في بيعة الغدير وحديث المنزلة وحبّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) له ممّا يطول شرحه.
وبعدها قال لعمرو بن عثمان: لم تكن للجواب حقيقاً بحمقك، مَثَلُك مَثَل البعوضة إذ قالت للنخلة: استمسكي فإنّي أُريد أن أنزل عنك، فقالت لها النخلة: ما شعرت بوقوعك، فكيف يَشقُّ عليّ نزولك.
وأمّا قولك: إن لكم فينا تسعة عشر دماً، فإنّ الله ورسوله قتلهم.
وقال الإمام(عليه السلام) لابن العاص: إنّما أنت كلب أول أمرك، وأُمّك بغيّة، وإنّك ولدت على فراش مشترك، فتحاكمت فيك رجال قريش كلّهم يزعم أنّك ابنه، وأنت شاني محمد(صلى الله عليه وآله)، حتى أنزل الله تبارك وتعالى: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ)[1].
وقال الإمام(عليه السلام) لعتبة: والله ما أنت بحصيف فأجاوبك، ولا عاقل فأعاقبك، وما عندك خير يُرجى، فأنت ذرية آبائك الذين ذكرهم الله في القرآن: (عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آَنِيَةٍ لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ)[2].
وأما وعيدك بقتلي، فهلاّ قتلت الذي وجدته على فراشك مع حليلتك، وقد غلبك على فرجها وشركك في ولدها، ولا ألومك أن تسبّ عليّاً وقد قتل أخاك، واشترك هو والحمزة في قتل جدّك حتّى أصلاهما الله على أيديهما نار جهنّم وأذاقهما العذاب الأليم، ونفى عمّك بأمر رسول الله(صلى الله عليه وآله).
وأما رجائي الخلافة، فلعمر الله إن رجوتها فإنّ لي فيها لملتمساً، وما أنت بنظير أخيك، ولا بخليفة أبيك.
وقال الإمام (عليه السلام) للمغيرة: إنّك لله عدو، ولكتابه نابذ، ولنبيه مكذّب، وأنت الزاني، وقد وجب عليك الرجم، وأنت الذي ضربت فاطمة بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله) حتى أدميتها وألقت ما في بطنها، وقد قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «فَاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنَّةِ»[3]، والله مصيرك إلى النار.
فقال معاوية لأصحابه: فذوقوا وبال ما جنيتم[4].
مجلة اليقين، العدد (55)، الصفحة (8 - 9).