اجتمع أهل الكلام وبعض الفقهاء من الفرق المختلفة عند المأمون بن هارون الرشيد (لعنهما الله) وكان سيد الجلسة والحضور الإمام الرضا(عليه السلام) ومعه الحسن بن الجهم - وهو ابن بكير بن أعين الشيباني - من أصحاب الإمامين الكاظم والرضا(عليهم السلام).
فسأل أحدهم الإمام(عليه السلام) فقال له: يا بن رسول الله بأي شيء تصح الإمامة لمدّعيها؟
قال(عليه السلام): بالنص والدليل.
فقال له: فدلالة الإمام فيم هي؟
قال(عليه السلام): في العلم واستجابة الدعوة.
قال له: فما وجه إخباركم بما يكون؟
قال(عليه السلام): ذلك بعهد معهود إلينا من رسول الله(صلى الله عليه وآله).
قال له: فما وجه إخباركم بما في قلوب الناس.
قال(عليه السلام): أما بلغك قول الرسول(صلى الله عليه وآله): (اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله).
قال: بلى.
قال(عليه السلام): وما من مؤمن إلا وله فراسة ينظر بنور الله على قدر إيمانه ومبلغ استبصاره وعلمه وقد جمع الله في الأئمة منا ما فرقه في جميع المؤمنين، وقال عز وجل في محكم كتابه: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ)[1]، فأول المتوسمين رسول الله(صلى الله عليه وآله) ثم أمير المؤمنين(عليه السلام) من بعده ثم الحسن والحسين والأئمة من ولد الحسين(عليهم السلام) إلى يوم القيامة.
فنظر المأمون إلى الإمام(عليه السلام) وقال له: يا أبا الحسن، زدنا ما جعل الله لكم أهل البيت.
فقال الإمام الرضا(عليه السلام): إن الله عز وجل قد أيدنا بروح منه مقدسة مطهرة ليست بملك، لم تكن مع أحد ممن كان مضى إلا مع رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وهي مع الأئمة منا، تسددهم وتوفقهم، وهو عمود من نور بيننا وبين الله عز وجل.
قال المأمون: يا أبا الحسن، بلغني أن قوما يغلون فيكم ويتجاوزون فيكم الحد؟
فقال الإمام الرضا(عليه السلام): حدثني أبي موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب(عليهم السلام) جميعا قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) لا ترفعوني فوق حقي، فإن الله تبارك وتعالى اتخذني عبدا قبل أن يتخذني نبيا).
فقال تعالى: (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[2].
وقال أمير المؤمنين(عليه السلام): «يهلك فِيَّ اثنان ولا ذنب لي، محب مفرط، ومبغض مفرط، وأنا أبرأ إلى الله تبارك وتعالى ممن يغلو فينا، ويرفعنا فوق حدنا كبراءة عيسى بن مريم(عليه السلام) من النصارى».
فقال الله تعالى: (وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ، مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)[3].
فمن ادّعى للأنبياء ربوبية، أو ادّعى للأئمة ربوبية أو نبوة أو لغير الأئمة إمامة فنحن منه براء في الدنيا والآخرة[4].
مجلة اليقين، العدد (62)، الصفحة (8 - 9).