يتصوّر بعض المسلمين أنّ عقائد الشيعة مبنية كلّها على نزعة طائفية لأهل البيت (عليهم السلام)، وأنّ شيعتهم لشدّة تعاطفهم مع أمير المؤمنين (عليه السلام) فيما جرى عليه يوم السقيفة، صاروا يختلقون القصص بزعمهم، ويؤلّفون المثالب على الصحابة، ويطعنون بمَن ثبتت صحبتهم وعدالتهم كما يقولون.
ومن تلك الظلامات التي تدعيها الشيعة ضدّ الصحابة هي قصة ظلم الزهراء (عليها السلام)؛ إذ يقول الشيعة بأنّ كبار الصحابة ثبت ظلمهم لبنت النبي (صلى الله عليه وآله) فاطمة الزهراء (عليها السلام)، إلّا أنَّ هذا الادعاء لم يثبت عند المسلمين ما خلا الشيعة؛ إذ كيف يسكت أمير المؤمنين (عليه السلام) على ذلك؟!
ويظهر أنّ الكثير من المتدينين قد غُيّبت عنهم الحقائق، تلك الحقائق التي تثبت قيام بعض الصحابة بالتعدّي على بيت النّبي (صلى الله عليه وآله) وحرمته من بعده؛ لذا سنترك ذلك الأمر لروايات أبناء العامّة والجماعة، فهي التي ستعرض لنا الوثائق الخاصة بالظلامة، وتضع اليد على الحقيقة:
1- الهُجُومِ عَلَى بَيْتِ عَلِيٍّ وَالزَّهْرَاءِ(عليهما السلام):
يكفينا في هذا الأمر اعتراف أبي بكر نفسه بالحدث، فقد أخرج الحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي (المتوفّى سنة 807 هـ) في كتابه مجمع الزوائد وضبع الفوائد في باب كراهة الولاية ولمَن تستحب، قال: «عن عبد الرحمن ابن عوف، قال: دخلت على أبي بكر أعوده في مرضه الذي توفّي فيه وسلمت عليه، وسألته كيف أصبحت؟ فاستوى جالساً وقال: أصبحت بحمد الله بارئاً، إلى أن قال: أَما إنّي لا آسى على شيء إلّا على ثلاث فعلتهن وددت أنّي لم أفعلهن، وثلاث لم أفعلهن وددت أن فعلتهن، وثلاث وددت أنّي سألت رسول الله ـ (صلى الله عليه وآله) ـ عنهن.
فأمّا الثلاث التي وددت أنّي لم أفعلهنّ: فوددت أنّي لم أكن كشفت بيت فاطمة وتركته، وأن أغلق على الحرب، وددت انّي يوم سقيفة بني ساعدة قذفت الأمر في عنق الرجلين أبو عبيدة أو عمر وكان أمير المؤمنين وكنت وزيراً»[1].
وأخرج الإمام الحافظ شهاب الدين أبو الفضل المعروف بالعسقلاني (المتوفّى سنة 852هـ) في كتابه لسان الميزان بسنده عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه، قال: «دخَلْتُ على أبي بكرٍ أعودُه في مَرضِه الذي توُفِّيَ فيه، فسَلَّمتُ عليه وسألتُه كيف أصبَحْتَ؟ فاستوى جالِساً: «..... أَمَا إِنِّي لا آسى على شَيءٍ إِلَّا على ثلاثٍ فعَلْتُهنَّ، وَدِدْتُ أَنِّي لم أَفعَلْهُنَّ، وثلاثٍ لم أَفعَلْهنَّ وَدِدْتُ أَنِّي فعَلْتُهنَّ، وثلاثٍ وَدِدْتُ أنِّي سألتُ رَسولَ اللهِ(صلى الله عليه وآله) عنهنَّ؛ فأَمَّا الثَّلاثُ التي وَدِدتُ أَنِّي لم أَفعَلْهنَّ: فوَدِدتُ أَنِّي لم أَكُنْ كَشَفتُ بَيتَ فاطِمةَ وتَرَكتُهُ، وأَن أُغلقَ على الحَربِ، ووَدِدْتُ أَنِّي يومَ سَقيفةِ بني ساعِدةَ قَذَفتُ الأَمرَ في عُنُقِ أَحَدِ الرَّجُلينِ؛ أَبي عُبَيدةَ أَو عُمَرَ، وكان أَميرَ المؤمِنينَ وكنتُ وزيراً»[2].
2- التَّهْدِيدُ بِإِحْرَاقِ الدَّارِ:
رَوَى البلَاذرِيُّ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ ثقَاتٌ عَنْ ابْنِ عوان «أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَرْسَلَ إِلَى عَلِيٍّ يُرِيدُ البَيْعَةَ، فَلَمْ يُبَايِعْ، فَجَاءَ عُمَرُ وَمَعَهُ فَتِيلَةٌ (قَبَسَ) فَتَلَقَّتْهُ فَاطِمَةُ عَلَى البَابِ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: يَا بْنَ الخَطَّابِ! أَتُرَاكَ مُحْرِقًا عَلَيَّ بَابِي؟! قَالَ: نَعَمْ، وَذَلِكَ أَقْوَى فِيمَا جَاءَ بِهِ أَبُوكِ»[3].
ومثله في (مُرُوجِ الذَّهَبِ) للمسعودي: ج3، ص87، وكتاب (المُصَنِّفُ) لابن أبي شيبة: ج8، ص572، وغيرهما.
3- رِوَاياتُ كَسْرِ الضِّلْعِ:
رَوَى الجويني الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ النَّبِيِّ الأَكْرَمِ(صلى الله عليه وآله) فِي خَبَرٍ طَوِيلٍ، قَالَ: «... وَأَمَّا ابْنَتِي فَاطِمَةُ فَإِنَّهَا سَيِّدَةُ نِسَاءِ العَالَمِينَ، مِنْ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، وَهِيَ بَضْعَةٌ مِنِّي، وَهِيَ نُورُ عَيْنِي، وَهِيَ ثَمَرَةُ فُؤَادِي... وَإِنَّي لَمَّا رَأَيْتُهَا ذَكَرْتُ مَا يُصْنَعُ بِهَا بَعْدِي، كَأنِّي بِهَا وَقَدْ دَخَلَ الذِّلُّ بَيْتَهَا، وَانْتُهِكَتْ حُرْمَتُهَا، وَغُصِبَ حَقُّهَا، وَمُنِعَتْ إِرْثَهَا، وَكُسِرَ جَنْبُهَا، وَأَسْقَطَتْ جَنِينَهَا...»[4].
4- رِوَاياتُ إِسْقَاطِ الجَنِينِ:
ذَكَرَ الشَّهرِستَانيٌّ فِي (المِلَلِ وَالنِّحَلِ: ج1، ص77)، والصَّفديُّ فِي (الوَافِي بِالوَفِيَّاتِ: ج6، ص17) عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمَ النّظَّامِ - وَهُوَ شَيْخُ الجَاحِظِ - قَوْلَهُ: «إِنَّ عُمَرَ ضَرَبَ بَطْنَ فَاطِمَةَ(عليها السلام) يَوْمَ البَيْعَةِ حَتَّى أَلْقَتْ المُحْسِنَ مِنْ بَطْنِهَا، وَكَانَ يَصِيحُ: أَحْرِقُوهَا بِمَنْ فِيهَا، وَمَا كَانَ فِي الدَّارِ غَيْرُ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَالحَسَنِ وَالحُسَيْنِ»، لكن هذه الروايات وغيرها الكثير لا تذكر عند المسلمين بوجه من الوجوه! مع أنّها ثابتة في مصادر مهمّة، ومؤلفوها من الثقات عندهم!
مجلة اليقين العدد (59)