تعُود بنا الذكرى إلى يوم العاشر من شهر محرم الحرام، إلى أحداث يَحكيها لنا نهر الفرات، الذي لم تتميّز فيه ملامح الحزن والألم من معالم الدهشة والتعجّب، مما فعلت تلك الأمة بابن بنت نبيها الوحيد.
وقفتْ مشاعر المؤمنين على شاطئ نهر الفرات تذرف دموع العتب: يا فرات، حسين قضى بمهجة ظمأى، ولم يشرب منك يا فرات.....
كيف لك أن تجري؟ ولم تستطع للسبط أن تسقي، وقد تفطر قلبه من الظمأ.
ونحن يا فرات، كلّما ارتشفنا من عذبك رشفةً، أو مرّت عليك ركابنا، ذكرنا الحسين (عليه السلام)، وأولاده، وأصحابه، وكافل الخدر، أبا الفضل العباس (عليه السلام).
أولئك الأبطال الميامين، لم يكونوا ليعتمدوا عليك، ولم يمنعهم الظمأ ليكونوا ليوث العرين، فهم من الله يستمدّون القوة والإيمان، ومن آباءهم أخذوا الشجاعة وشدّة البأس.
يا فرات، لم يمنعهم عطشُهم من مصارعة المنايا، حتى تباهتْ بهم أرض نينوى، بصولات تركتْ بصماتها على ذرات الثرى، يشهد لها ملائكة السماء.
وإلى الآن يا فرات، ليتك ترى الثُلّة القليلة، التي قضت ظامئة على ضفافك، سقيناهم من دموعنا، وأحييناهم بدمائنا، وبنينا قبورهم في قلوبنا، لا تحت الثرى، فطاولت مراقدهم السماء، شامخة بالعز والإباء، زاهية للقلوب والأبصار.
قرون وقرون وذكراهم تتجدّد، ما مضتْ الأعوام وما بقي ليل ونهار، وما بزغت شمس، ودجى ظلام.
لسنا نعبأ يا فرات بمائك مهما كان عذباً، فقد سقيناهم الدموع، وسقونا الحب والقبول، وهدانا الله إلى هداه.
مجلة ولاء الشباب العدد (32)