في ضوء ما تعطيه اللغة لمعنى (الانتظار) حين تحدّده بالترقب والتوقع... قد يتوهم: أنّ علينا أن نعيش في فترة الغَيبة مترقبين لليوم الموعود الذي يبدؤه الإمام المنتظر بالقضاء على الكفر، وبالقيام بتطبيق الإسلام لتعيش الحياة تحت ظلاله في دعة وأمان، غير متوفرين على القيام بمسؤولية تحكيم الإسلام في حياتنا وفي كل مجالاتها، بدافع أن مسؤولية تحكيم الإسلام - في كل مجالات الحياة- هي وظيفة الإمام المنتظر (عجل الله فرجه الشريف)، فلسنا بمكلفين بها الآن. وقد يتوهم بأنّها من عقيدة الشيعة، فتتحول عقيدتنا بالإمام المنتظر(عجل الله فرجه الشريف) إلى فكرة تخدير عن القيام بالمسؤولية المذكورة بسبب هذا التوهّم. إلا أننا نحاول رفع أمثال هذه التوهمات.
ونجد إن منشأ هذه المفارقة هو محاولة عدم الفهم، أو سوء الفهم للواقع؛ وذلك لأن ما يفاد من الانتظار في إطار واقعه كلازم من لوازم الاعتقاد بالإمام المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) يتنافى مع هذا اللون من التوهّم تمام المنافاة؛ لأنه يتنافى وواقع العقيدة الإسلامية التي تضم عقيدة الإمامة كجزء مهم من أجزائها.
يقول الشيخ المظفر: (ومما يجدر أن نعرفه في هذا الصدد: ليس معنى إنتظار هذا المصلح المنقذ (المهدي)، أن يقف المسلمون مكتوفي الأيدي فيما يعود إلى الحق من دينهم، وما يجب عليهم من نصرته، والجهاد في سبيله، والأخذ بأحكامه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... بل المسلم أبداً مكلف بالعمل بما أنزل من الأحكام الشرعية، وواجب عليه السعي لمعرفتها على وجهها الصحيح بالطرق الموصلة إليها حقيقة، وواجب عليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ما تمكن من ذلك، وبلغت إليه قدرته (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)[1]. ولا يجوز له التأخر عن واجباته بمجرد الإنتظار للمصلح المهدي(عجل الله فرجه الشريف)، فإنّ هذا لايسقط تكليفاً، ولا يؤجل عملاً، ولا يجعل الناس هملاً كالسوائم) [2].
وليعلم أنّ معنى الإنتظار ليس تخلية سبيل الكفار والأشرار، وتسليم الأمور إليهم، والمراهنة معهم، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن ألمنكر.
فإنّه كيف يجوز إيكال الأمور إلى الأشرار مع التمكن من دفعهم عن ذلك، والمراهنة معهم، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغيرها من المعاصي التي دلّ عليها العقل والنقل وإجماع المسلمين. ولم يقل أحد من العلماء وغيرهم بإسقاط التكاليف قبل ظهور الإمام (عجل الله فرجه الشريف)، ولا يرى منه عين ولا أثر في الأخبار.
نعم، تدلّ الأحاديث الكثيرة على خلاف ذلك، بل تدلّ على تأكيد الواجبات والتكاليف والترغيب إلى مزيد من الاهتمام في العمل بالوظائف الدينية كلها في عصر الغَيبة. فهذا توهّم لا يتوهّمه إلا من لم يكن له قليل من البصيرة والعلم بالأحاديث والروايات.