عندما يتقرب المولى من العبد

علاقة المولى تعالى بعبيده علاقة رحمة ومودة، لا علاقة عذاب ونقمة وشقاء، فلم يرد الله تعالى من خلقه الإنسان إلا السّعادة والرحمة، (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا)[1]، ولم يخلق الله جل وعلا غير الإنسان من الموجودات في عالم الإمكان إلا لخدمته ومساعدته، قال تعالى: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ)[2]، وفتح الله تعالى لبني البشر سبل الهداية والرشاد ولم يتركهم سدى، فأرسل لهم رسله وأنبيائه(عليهم السلام) مبشرين ومنذرين، وبلغهم كتبه ورسالاته، وأوصل لهم الأحكام والوصايا والإرشادات التي تنظّم لهم علاقتهم بربّهم وبالخلق من حولهم، وجعلهم مختارين بكامل قواهم الإدراكية، لا مجبرين ولا مسيّرين، قال تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا * كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا)[3]، ولم يكتفِ المولى تعالى بهداية دون أخرى، ولم يقتصر على سبيل دون آخر، حتى دعانا بفضله ولطفه بنا إلى أماكن وأوقات ذات فضل وكرامة، وندبنا إلى موائده وعوائده الكبيرة، ومدّ لنا فيها واسع عطائه وتفضيله، فكان من بين ذلك هو شهر رمضان المبارك، الذي بسط الله لنا فيه موائد البركة والرّحمة والمغفرة، «شَهرٌ هُو عِندَ اللهِ خَيرُ الشُّهورِ، وأيّامُهُ أفضلُ الأيّام، وَلياليهِ أفضَلُ الليالي، وَساعاتُهُ أفضلُ السَّاعاتِ. شَهرٌ دُعِيتُم فِيهِ إلى ضِيافةِ اللهِ، وَجُعِلتُم فِيهِ مِنْ أهلِ كِرامةِ اللهِ، أنفاسُكُمْ فِيهِ تَسبيحٌ، ونَومُكُم فِيهِ عِبادَةٌ، وعَمَلُكُم فِيهِ مَقبُولٌ، وَدعاؤُكُم فِيهِ مستَجابٌ»، فقد حمل هذا الشهر الكريم في طياته نزول القرآن الكريم، وجعل فيه أفضل ليلة، وهي ليلة القدر، وهو ربيع العبادة، وشهر التهذيب، والتربية، والتعليم، والطهر، والعفاف، والورع، والتقوى؛ الشهر الذي يطوي بخطوات سريعة وواثقة مراحل السير والسلوك إلى الله، فهو بحقّ شهر تقرّب فيه المولى للعبد، فهل من متقرّب؟!

مجلة اليقين العدد (62)

 


[1] سورة الانشقاق: آية 6-9.

[2] سورة لقمان: آية 20.

[3] سورة الإسراء: آية 18-20.