أئمتنا(عليهم السلام) وَسِعُوا الناس بأخلاقهم، وسلوكهم، وهدايتهم، وعاشروهم بأحسن طرق العشرة، وأجمل أنواعها، لذلك تجدُ قلوب الناس على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم ينظرون إليهم بعين الإكبار والإكرام.
نعم، تخلّف عن هذا المضمون اثنان: المبغض المعاند الذي والى الشيطان في بغضهم ونصب العداء لهم، ومن أثرت عليه بعض المواقف القاسية، واستمالت عاطفته وعصبيته القبلية والأسرية ليقف موقفاً سلبياً منهم(عليهم السلام)، تلك المواقف التي أسّستها الحروب والقتال بين المسلمين.
ومن الأئمة(عليهم السلام) الذين تعرضوا للبغض والعداء هو الإمام الكاظم(عليه السلام)؛ فقد مرَّ بظروف ومواقف عصيبة، لكنها لم تؤثر على مكانته، حتى عند مخالفيه، فهذا ابن كثير يقول فيه: (هو أبو الحسن الهاشمي، ويقال له الكاظم، ولد سنة ثمان أو تسع وعشرين ومائة، وكان كثير العبادة والمروءة، إذا بلغه عن أحد أنه يؤذيه أرسل إليه بالذهب والتحف)[1].
وفي نور الأبصار، يقول عنه الشبلنجي: (كان موسى الكاظم -(عليه السلام)-، أعبد أهل زمانه، وأعلمهم وأسخاهم كفّاً، وأكرمهم نفساً، وكان يتفقّدُ فقراء المدينة، فيحمل إليهم الدراهم والدنانير إلى بيوتهم ليلا وكذلك النفقات، ولا يعلمون من أي جهة وصلهم ذلك، ولم يعلموا بذلك إلا بعد موته، وكان كثيرا ما يدعو (اللّهُمَّ إني أَسْأَلُكَ الرَّاحَةَ عِنْدَ المَوْتِ، وَالعَفْوَ عِنْدَ الحِسَابِ)[2].
وكتب عنه الخطيب البغدادي في تاريخه: كان موسى يدعى العبد الصالح، من عباداته واجتهاده، روي أنه دخل مسجد رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فسَجدَ سجدةً في أول الليل، وسُمع وهو يقول في سجوده: (عَظُمَ الذَّنبُ عِندي فَليَحسُنِ العَفوُ مِن عِندِكَ، يا أهلَ التَّقوى ويا أهلَ المَغفِرَةِ)، فجعل يرددها حتى أصبح، وكان سخيّاً كريماً، وكان يبلغه عن الرجل أنه يؤذيه فيبعث إليه بصرة فيها ألف دينار، وكان يصر الصرر ثلاثمائة دينار، وأربعمائة دينار، ومائتي دينار، ثم يقسمها بالمدينة[3].
ويقول أبو الفداء ـ عن ورع الإمام(عليه السلام) وزهده ـ: (أَنَّهُ كَانَ إِذَا صَلَّى الْعَتَمَةَ حَمِدَ اللهَ وَمَجَّدَهُ وَدَعَاهُ إِلَى أَنْ يَزُولَ اللَّيْلُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي، حَتَّى يُصَلِّيَ الصُّبْحَ، ثُمَّ يَذْكُرُ اللهَ ـ تَعَالَى ـ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ يَقْعُدُ إِلَى ارْتِفَاعِ الضُّحَى، ثُمَّ يَرْقُدُ، وَيَسْتَيْقِظُ قَبْلَ الزَّوَالِ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي، حَتَّى يُصَلِّيَ الْعَصْرَ، ثُمَّ يَذْكُرُ اللهَ حَتَّى يُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعَتَمَةِ، فَكَانَ هَذَا دَأْبَهُ إِلَى أَنْ مَاتَ رحمَه اللهُ تعالى، وَكَانَ يُلَقَّبُ بِالْكَاظِمِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُحْسِنُ إِلَى مَنْ يُسِيءُ إِلَيْهِ)[4].
مجلة ولاء الشباب العدد (35)