حياة الله تعالى

وصف ربّنا تعالى نفسه في كتابه العزيز بالحياة التي لا موت فيها، إذ يقول: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ)[1]، وقد جاء لفظ (الحي) فيه اسماً له سبحانه عدة مرات، يقول جل وعلا: (اللهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ)[2].

وقال تعالى: (اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)[3].

وقال تعالى: (هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[4].

هذا في القرآن الكريم أما في السنة وأخبار المعصومين(عليهم السلام) فقد ورد عن الإمام محمد بن علي الباقر(عليه السلام): «إِنَّ اللهَ ـ تَبارَكَ وتَعالى ـ كانَ ولا شَيءَ غَيرُهُ، نوراً لا ظَلامَ فيهِ، وصادِقاً لا كِذْبَ فيهِ، وعالِماً لا جَهلَ فيه، وحَيّاً لا مَوْتَ فيهِ، وكَذلِكَ هُوَ اليَوْمُ، وكَذلِكَ لا يَزالُ أَبَداً»[5].

وعن الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام): «إِنَّ اللهَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، كَانَ حَيّاً بِلَا كَيْفٍ، وَلَا أَيْنٍ، وَلَا كَانَ فِي شَيْءٍ، وَلَا كَانَ عَلَى شَيءٍ، وَلَا ابْتَدَعَ لِمَكَانِهِ مَكَاناً، وَلَا قَوِيَ بَعْدَ مَا كَوَّنَ الْأَشْيَاءَ، وَلَا كَانَ خِلْواً مِنَ الْمُلْكِ قَبْلَ إِنْشَائِهِ، كَانَ عَزَّ وجَلَّ إِلَهاً حَيّاً بِلَا حَيَاةٍ حَادِثَةٍ، مَلِكاً قَبْلَ أَنْ يُنْشِيءَ شَيْئاً، ومَالِكاً بَعْدَ مَا أَنْشَأَهُ»[6].

ولإثبات هذه الصفة نحتاج إلى بيان أمرين:

الأمر الأول: نعلم أن الله تعالى يتصف بالقدرة والعلم، فهو عالم وقادر.

الأمر الثاني: إن صفة الحياة المنسوبة لذات الباري جلّ وعلا، ترتبط بكون المتّصف بها درّاكاً، وفعّالاً.

نقول: هذان الأمران مترابطان بنحو من الترابط، فالعلم ملازم للإدراك والقدرة ملازمة للفعل، ونتيجة هذه الملازمة نستطيع القول إن الله سبحانه، بما أنه عالم وقادر، درّاك وفعّال، وهما عين معنى الحياة عند الحكماء، عندما يتحدثون عنها كصفة للذات، ولأجل ذلك نراهم يستدلون على حياته بهذا البيان، قال العلامة الحلي في (كشف الفوائد في شرح قواعد العقائد)، ص 46: (إنه تعالى حيٌ؛ لامتناع كون من يمكن أن يوصف بأنه قادر عالم، غير حي).

وذلك لأن حياته سبحانه في الحقيقة عبارة عن اتصافه بهاتين الصفتين: القدرة والعلم.

وهذا يذكّرنا بمعلومة مهمة، لها مكانتها في عقائدنا، وهي: أن جميع صفاته سبحانه، وإن كانت مختلفة في مفهوم والمعنى، لكنها متّحدة واقعاً ومصداقاً، فإن صفاته هي عين ذاته.

ولو مددنا النظر إلى مسافة أبعد قليلاً، لوجدنا أن الله سبحانه وتعالى خلق موجودات حية، مدركة وفاعلة، وتتصف بصفة القدرة، يتبيّن حينئذٍ: أنه من المستحيل أن يكون معطي الشيء فاقداً له، فيثبت أنه تعالى مدركٌ، وفعالٌ، وهو معنى كونه حياً.

كما أن حياته سبحانه صفة واجبة لا يتطرّق إليها العدم، ولا يعرض لها النفاد والانقطاع، كسائر صفاته الكمالية لأن طروّ العدم عليها يعارض وجوبها، ويخرجها إلى عالم الإمكان، والمفروض خلافه لأنها عين الذات.

مجلة اليقين العدد (33)

 


[1] الفرقان: 58.

[2] البقرة: 255.

[3] آل عمران: 2.

[4] غافر: 65.

[5] التوحيد، الشيخ الصدوق: ص 141.

[6] توحيد الصدوق ص 141.