قال تعالى: (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمانِ)[1].
لكي تكون الأجواء في المجتمع الإسلامي صافية نقية تساعد الإنسان على التآخي والتعايش مع الآخرين، فإن الإسلام يؤكد على مجموعة من الأخلاقيات التي تحفظ لكل إنسان في المجتمع مكانته واحترامه.
والآية الكريمة تتحدث عن مفردتين من المفردات السيئة السلبية التي تسقط حالة الاحترام بين الناس، وهما (اللمز) و(التنابز).
قوله تعالى: (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ):
كلمة تلمزوا هي من مادة (لمز) ومعناها تتبع العيوب والطعن في الآخرين، وفسّر بعضهم الفرق بين الهمز واللمز بأن اللمز عد عيوب الناس بحضورهم، والهمز ذكر عيوبهم في غيابهم، كما قيل إن اللمز تتبع العيوب بالعين والإشارة في حين أن الهمز هو ذكر العيوب باللسان وهناك تفصيل لهذا الموضوع في تفسير سورة الهمزة.
الطريف أن القرآن في تعبير بأنفسكم يشير إلى وحدة المؤمنين وأنهم نسيج واحد، ويبيّن هنا بأن جميع المؤمنين بمثابة النفس الواحدة فمن عاب غيره فإنما عاب نفسه في الواقع![2]
قوله تعالى: (وَلا تَنابَزُوا بِالأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمانِ)
اما(النَبَز) بالتحريك فهو اللقب، ويختص - على ما قيل - بما يدل على ا لذمّ، فالتنابز بالألقاب ذكر بعضهم بعضا بلقب السوء مما يكرهه كالفاسق والسفيه ونحو ذلك[3].
والتنابز أمر سيءٌ لا يرتضيه أحد، وكثيراً ما كنا نرى بقاء هذا اللقب سمة له يلاحقه أينما حَلَّ، ولربما حتى بعد موته تاركا آثاره السلبية على النفس وعلى المجتمع.
فهناك الكثير من الأفراد الحمقى قديما وحديثا، ماضيا وحاضرا مولعون بالتراشق بالألفاظ القبيحة، ومن هذا المنطلق فهم يحقّرون الآخرين ويدمّرون شخصياتهم وربما انتقموا منهم أحيانا عن هذا الطريق، وقد يتفق أن شخصا كان يعمل المنكرات سابقا، ثم تاب وأناب وأخلص قلبه لله، ولكن مع ذلك نراهم يرشقونه بلقب مبتذل كاشف عن ماضيه!
الإسلام نهى عن هذه الأمور بصراحة ومنع من إطلاق أي اسم أو لقب غير مرغوب فيه يكون مدعاة لتحقير المسلم...
ونقرأ في بعض الأحاديث أن صفية بنت حيي بن أخطب المرأة اليهودية التي أسلمت بعد فتح خيبر وأصبحت زوجة النبي (صلى الله عليه وآله) - جاءت يوما إلى النبي(صلى الله عليه وآله)
وهي باكية العين فسألها النبي(صلى الله عليه وآله) عن سبب بكائها فقالت: إن عائشة توبّخني وتقول لي: يا ابنة اليهودي، فقال لها النبي (صلى الله عليه وآله): (فلم لا قلت لها: أبي هارون وعمي موسى وزوجي محمد)فكان أن نزلت هذه الآية - محل البحث -[4].
والمراد بالاسم في (بئس الاسم الفسوق) الذكر كما يقال: شاع اسم فلان بالسخاء والجود، وعلى هذا فالمعنى: بئس الذكر ذكر الناس - بعد إيمانهم - بالفسوق فإن الحريَّ بالمؤمن بما هو مؤمن أن يُذكر بالخير ولا يُطعن فيه بما يسوؤه نحو يا من أبوه كان كذا ويا من أمه كانت كذا.
ويمكن أن يكون المراد بالاسم السمة والعلامة والمعنى: بئست السمة أن يوسم الإنسان بعد الإيمان بالفسوق بأن يذكر بسمة السوء كأن يقال لمن اقترف معصية ثم تاب: يا صاحب المعصية الفلانية، وعلى أي معنى كان ففي الجملة إشارة إلى حكمة النهي.
وتختتم الآية لمزيد التأكيد بالقول: (ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون) أي ومن لم يتب عن هذه المعاصي التي يقترفها بعد ورود النهي فلم يندم عليها ولم يرجع إلى الله سبحانه بتركها فأولئك ظالمون حقا فإنهم لا يرون بها بأسا وقد عدها الله معاصي ونهى عنها[5].
وأي ظلم أسوأ من أن يؤذي شخصٌ بالكلمات اللاذعة والتحقير واللمز قلوبَ المؤمنين، وأن يطعن في شخصياتهم ويبتذل كرامتهم التي هي أساس شخصيتهم، فانّ التعييب والتنقيص للمؤمنين يوجب إهانةً وتقبيحا لعباد الله مضافا إلى انه من دواعي الاختلاف بين أهل الإيمان، ويوجد تفرقة بين الإخوة المؤمنين، واختلالا في وحدتهم وجمعيّتهم؛ لذلك نهى الإسلام عنه، وهذا من أحسن الضوابط الأخلاقيّة الاجتماعية والفرديّة.
مجلة بيوت المتقين العدد (44)