حضر الإمام علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) مجلسا من مجالس المأمون بن هارون الرشيد يوما، ودار الحديث بين المأمون ومجالسيه حول عصمة الأنبياء (عليهم السلام) وذكر في أطراف ذلك آدم وحواء وفعلهما بالأكل من الشجرة، عندها توجه المأمون نحو الإمام الرضا (عليه السلام) قائلا: يا بن رسول الله أليس من قولكم: عصمة آدم وحواء (عليهما السلام)؟
قال الإمام الرضا (عليه السلام): بلى.
فقال المأمون: فما معنى قول الله عز وجل: (وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى)[1].
فقال الإمام (عليه السلام): إن الله تبارك وتعالى قال لآدم: (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ -وأشار لهما إلى شجرة الحنطة - فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ)[2]، ولم يقل لهما: لا تأكلا من هذه الشجرة ولا مما كان من جنسها فلم يقربا تلك الشجرة ولم يأكلا منها وإنما أكلا من غيرها، لما أن وسوس لهما الشيطان وقال: (مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ)[3]، وإنما ينهاكما أن تقربا غيرها ولم ينهكما عن الأكل منها (إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ)[4]، (وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ)[5]، ولم يكن آدم وحواء شاهدا قبل ذلك من يحلف بالله كاذباً، (فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ)[6]. فأكلا منها ثقة بيمينه بالله، وكان ذلك من آدم قبل النبوة ولم يكن ذلك بذنب كبير استحق به دخول النار وإنما كان من الصغائر الموهوبة التي تجوز على الأنبياء قبل نزول الوحي عليهم.
أما بعدما اجتبى الله تعالى آدم (عليه السلام) وجعله نبياً كان معصوماً لم يذنب صغيرة ولا كبيرة، فقال عز وجل: (وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى، ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى)[7]، ثم اصطفاه ربه على العالمين بقوله: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ)[8].
فقال له المأمون: فما معنى قول الله عز وجل: (فَلَمَّا آَتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آَتَاهُمَا..)[9].
فقال الإمام الرضا (عليه السلام): إن حواء ولدت لآدم خمسمائة بطن ذكرا وأنثى وإن آدم وحواء (عليهما السلام) عاهدا الله عز وجل ودعواه وقالا: (لَئِنْ آَتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ)[10]، فلما آتاهماً صالحاً من النسل خلقا سويا بريا من الزمانة والتامة وكان ما آتاهما صنفين صنفاً
ذكرانا وصنفاً إناثاً، فجعل الصنفان لله تعالى ذكره شركاء فيما آتاهما ولم يشكراه كشكر أبويهما له عز وجل، فقال الله تبارك وتعالى: (فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)[11].
فقال المأمون: أشهد أنك ابن رسول الله حقا[12].
مجلة اليقين، العدد (51)، الصفحة (8 - 9).