كان الشيخ الأنصاري (قدس سره) رغم مستواه العلمي، يصغي تمام الإصغاء إلى كلّ من يسأل ويناقش في أثناء الدرس، حتى إذا كان المناقش من أصغر الطلبة.
قال ذات اليوم على منبر الدرس: كنت أيام دراستي بخدمة شريف العلماء والمولى النراقي والشيخ علي بن الشيخ (المعروف بكاشف الغطاء) كنتُ مغروراً بذهني وإدراكي وذاكرتي، بحيث كنت كلما أتعمق في التفكير حول مسألة علمية فأصل إلى رأي فيها لا أبالي برأي يقوله أساتذتي حول تلك المسألة ليس من باب الاجتهاد وإنما من باب العناد. ولكني الآن وصلت إلى قناعة بضرورة الإصغاء حتى إلى أقل الطلبة إلى أن ينتهي كلامه ويوضح مراده، لأني حسب تجربتي لعلي أرجع عن رأي قد تبنّيتُه فإنه قد يطرح طالب مبتدىء فكرة جديدة وهي غائبة عن بالي.
عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (من التواضع أن ترضى بالمجلس دون المجلس وأن تسلم على من تلقى وأن تترك المراء وإن كنت محقاً وأن لا تحب أن تحمد على التقوى)[1].
وعن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حديث: (قال موسى بن عمران (عليه السلام) لإبليس: أخبرني بالذنب الذي إذا أذنبه ابن آدم استحوذت عليه قال: إذا أعجبته نفسه، واستكثر عمله، وصغر في عينه ذنبه، وقال: قال الله عز وجل لداود: يا داود، بشر المذنبين، وأنذر الصديقين، قال كيف أبشر المذنبين، وأنذر الصديقين؟ قال: يا داود، بشر المذنبين أني أقبل التوبة وأعفو عن الذنب، وأنذر الصديقين أن لا يعجبوا بأعمالهم، فإنه ليس عبد أنصبه للحساب إلا هلك)[2].
لكي لا تغيب شمسُ المُساواة
كانت عائلة المرجع الكبير الشيخ مرتضى الأنصاري (رحمه الله) في أزمة مالية؛ لأن المبلغ الذي قرّره لها الشيخ مثلما قرّر لبقية العوائل التي كفلتها المرجعية الشيعية لم يكفِ لتوفير جميع حاجيات المنزل. فطلبت زوجة الشيخ من أحد المقرّبين له أن يتكلم مع الشيخ ليزيد في المبلغ قليلاً كي تتمكّن من القيام بشراء الحاجيات، فلما جاء الوسيط وتكلم مع الشيخ لم يسمع جواباً منه، لا نفياً ولا إثباتاً. و في الغد حينما جاء الشيخ الأنصاري إلى المنزل قال لزوجته: اغسلي ثوبي و اجمعي لي الأوساخ ( الغُسالة ) في ظرف، فغسلت زوجته الثوب و أتتْ بما أمرها سماحة الشيخ ! فقال لها الشيخ: اشربي هذه الأوساخ !
فقالت وهي مندهشة: كيف لي أن أشربها و تشمئزّ منها نفس كل إنسان؟!
فقال الشيخ: نحن و الفقراء في الأموال الموجودة بيدي على السواء لا ميزة لأحد على أحد فإذا أخذنا منها أكثر من حقنا فكأننا شربنا مثل هذه الأوساخ.
نعم لكي لا تغيب شمس المساواة و العدالة عن حياتنا يجب أن نكون هكذا دائماً.