انتظار الفرج

إنّ انتظار فرج مولانا الحجة المنتظر أرواحنا له الفداء ليس من الأمور السهلة، لذلك عبّرت عنه الروايات أنّه أفضل العبادة، فقد ورد عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله): «أَفضَلُ العِبادَةِ اِنتِظارُ الفَرَجِ»[1].

ووجه صعوبة الانتظار أنه يحتاج إلى صبر كثير، وهو أمر يكاد يخالف ما جُبل عليه الإنسان من العجلة والسرعة في إنجاز وقضاء حاجاته، ولا يخفى ما في العجلة من المخاطر والمهالك التي قد يغفل عنها الإنسان، إذ روي عن الإمام الصادق(عليه السلام): «إِنَّمَا هَلَكَ النَّاسُ مِنِ اسْتِعْجَالِهِمْ لِهَذَا الْأَمْرِ إِنَّ اللهَ لَا يَعْجَلُ لِعَجَلَةِ الْعِبَادِ إِنَّ لِهَذَا الْأَمْرِ غَايَةً يُنْتَهَى إِلَيْهَا فَلَوْ قَدْ بَلَغُوهَا لَمْ يَسْتَقْدِمُوا سَاعَةً وَ لَمْ يَسْتَأْخِرُوا»[2].

عندما يقرأ أحدنا قصةً أو مقالاً يحوي فكرة ما، فإنّه يحاول معرفة خاتمتها بسرعة، فيسرع في قراءتها ليتخلّص من ألم الانتظار، وهذه العجلة شيء من طبيعة الإنسان، وهي موجودة في مسألة انتظار الفرج بمخرج الإمام المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، فالإنسان الذي يعتقد بالإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، والذي يؤمن بظهوره المبارك، وانه عندما يظهر سوف يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، وسوف ينعم الإنسان ببركات هذا الظهور بالسلام والأمن والطمأنينة، يستعجل به شوقاً إلى تلك الحياة السعيدة.

ومن الواضح أنّ سبب العجلة في هذا الأمر، وأمل سرعة الظهور يرجع إلى ما يعانيه الموالون من آلام الظلم والاضطهاد، فعندما يعجز الإنسان عن دفع الشرّ والباطل، ويغتصب حقّه من قبل الطغاة، فإنّه لا يرى إلاّ استعجال الظهور مفرّاً وملجأً من الحالة المأساوية التي يعيشها، وخصوصاً عندما لا تتوضح لديه أسباب الغيبة وعللها، فحينئذٍ يطلب العجلة.

ونحن مع تقديرنا لهذا الاعتقاد والشوق بلقاء الإمام العادل من قِبل الموالين، إلّا أنّه قد تؤدي هذه العجلة إلى نتائج غير صحيحة قد تضرّ بعقيدة بعض الناس، فهذه العاطفة والشوق الشديد قد يؤدي ببعضٍ إلى تصديق الادّعاءات الكاذبة، فإنّه لشدّة شوقه أحياناً يغفل عن تطبيق ضوابط وشروط وعلامات الظهور المبارك وشروطه ومعاملاته، ويطبّقها تطبيقاً خاطئاً، فيتوهّم حصول بعضها، أو يتوهّم وجود شخصيات ذلك العصر ويستبدل مصاديقه بأخرى وهمية، وهذا أمر ينخر العقيدة ويحرّفها، إذ يستغل كثير من المنحرفين هذه الحالة التي يعيشها كثير من الناس فيدّعون شخوص وعلامات مهدوية، مستهدفين بذلك عقائد العديد من البسطاء والمستعجلين.

إنّ الرواية التي نقلناها تُشير بشكل صريح إلى أنّ الله لا يستعجل بعجلة العباد، إنّ الله عنده حِكم ومصالح، وهذه الحِكم والمصالح التي لا نعرفها قد تجعل للظهور أمداً، فكيف يتصرّف الإنسان للتخلّص من هذه العاطفة وكيف لنا معالجتها ونصونها من الاستغلال؟

إن الروايات تؤكّد على مبدأ الصبر في الانتظار، فمسألة الانتظار نوع من الامتحان للعباد، فقط جاء عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنّه كان بين أصحابه وقال: «سَيَأتي قَومٌ مِن بَعدِكُم، الرَّجُلُ الواحِدُ مِنهُم لَهُ أجرُ خَمسينَ مِنكُم. قالوا: يا رَسولَ اللهِ، نَحنُ كُنّا مَعَكَ بِبَدرٍ وأُحُدٍ وحُنَينٍ، ونَزَلَ فينَا القُرآنُ؟ فَقالَ: إنَّكُم لَو تُحَمَّلونَ لِما حُمِّلوا لَم تَصبِروا صَبرَهُم»[3]. أي: إنّ المؤمن يعتقد بإمام غائب لا يراه بعينه، ولكن يؤمن به من خلال الأدلة والقرائن القطعية، فهو في امتحان عقائدي صعب، إذ ليس له نجاة إلّا بالصبر.

وأيضاً فإنّ المعرفة الصحيحة لدور الإمام(عجل الله تعالى فرجه الشريف) في غيبته أيضاً من الأمور التي تسهّل عملية الانتظار، فلابدّ أنْ يعرف المؤمن إمامه المنتظر(عجل الله تعالى فرجه الشريف) معرفةً صحيحة، فما دام يعتقد أنّ الإمام حيٌّ موجود وله دور ووظائف خاصّة يقوم بها، فإنّه يكون محصناً من الانحراف والتزييف في ظروف الانتظار، ويكون انتظاره حقيقياً مستنداً إلى يقين وجزم بأنّ هناك إماماً له دور مهم في حياتنا حينئذٍ سيحصل له الاطمئنان بأنّ طول المدّة أو قصرها لا يؤثّر في عقيدته، وبذلك تكون الدعاوى الباطلة من الفئات الضالة ضعيفةً على قلب المنتظِر، ولا يصدّق بأيّ فكرة تخالف ما يعتقده عن الأدلة والبراهين.

المصدر: مجلة اليقين العدد (55)

 


[1] كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق: ص 287.

[2] الكافي، الشيخ الكليني: ج1، ص369.  

[3] الغيبة، الشيخ الطوسي: ج1، ص457.