ورد عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله): (إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي، وقد أنبأني اللطيف الخبير بأنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفونني فيهما)[1].
إن حديث الثقلين يدل على قضية الإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه باعتبار أن حديث الثقلين يصرّح بأنّ العترة والكتاب لا يتفارقان أبداً إلى يوم القيامة: (وقد أنبأني اللطيف الخبير بأنهما لن يفترقا)، يعني القرآن وأهل البيت (عليهم السلام)، (حتى يردا عليّ الحوض)، القرآن لا يفترق عن أهل البيت (عليهم السلام) وأهل البيت (عليهم السلام) لا يفترقون عن القرآن إلى يوم القيامة، وهذا معناه أنه في كل زمان يوجد القرآن لابد من وجود رجل من أهل البيت (عليهم السلام) في ذلك الزمان مع القرآن الكريم، غايته انه في هذا الزمان الإمام (عليه السلام) غائب.
ولكن إذا كان غائباً عن أنظارنا كيف نتفاعل معه ونستفيد من أنواره ونستفيد من وجوده عجل الله تعالى فرجه؟
وفي مقام الجواب على ذلك نقول: إن التفاعل مع الإمام (عليه السلام) يمكن إن يحصل من خلال جملة من الأمور:
الأول: الإحساس برقابته:
نحن عندنا روايات تدل على أن الأعمال تعرض على الإمام، فالإمام الصادق Q قال: (إن الله تبارك وتعالى يقول: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ)[2] قال الإمام (عليه السلام): (المؤمنون هم الأئمة من آل محمد (صلى الله عليه وآله)، وإنّ أعمالكم كانت تعرض على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلى الإمام من بعده)[3].
وفي رواية أخرى عن سماعة بن مهران يقول الإمام(عليه السلام): (ما لكم تسوؤون رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قلت: كيف سيدي؟ قال: إن أعمالكم لتعرض عليه فإذا رأى سيئة ساءه ذلك)[4].
المؤمن طبعاً يشعر برقابة الله تبارك وتعالى (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ)[5] (يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى)[6]، لكن إذا شعرنا بأن الإمام يرانا ويراقبنا وتعرض عليه أعمالنا وتعرض عليه سيئاتنا ورذائلنا زاد إحساسنا بالرقابة، وزاد بعدنا عن الذنب واجتنابنا للرذيلة.
الثاني: التسديد والتأييد:
كلنا نعتقد أن الإمام يُسدِّد الشيعة وإن كان غائباً، ولولا تسديده وتأييده لانقرض التشيع من زمن طويل، فالتشيع منذ زمن السلطة الأموية وزمن السلطة العباسية تيار مبغوض ومحارب، ولكن مع كل ذلك بقي التشيع مستمراً وامتدَّ وكثر ونمى على مدى التأريخ وعلى مدى الأيام، نتيجة دعاء الإمام، وتسديده وتأييده (عليه السلام).
الثالث: رؤية الإمام:
كيف يرى الإنسان الإمام (عليه السلام)؟ طبعاً نحن عندنا رواية تنفي رؤية الإمام (عليه السلام)، فالإمام كتب إلى علي بن محمد السمري -آخر السفراء -:( يا علي بن محمد السمري عظّم الله أجور اخوانك فيك، فإنّك ميت ما بينك وبين ستة أيام، ولا تعهد لأحد من بعدك فقد وقع البلاء والغيبة التامة، ولا ظهور إلا بإذن الله، وذلك بعد قسوة القلوب وطول الأمد، وسيأتي قوم من شيعتنا يدعون مشاهدتنا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني وقبل الصيحة فهو كاذب مفتر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)[7].
كيف نوفق بين هذه الرواية وبين ما علم من رؤية كثير من العلماء والصلحاء والأبرار للإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه؟
العلامة الحلي أحد أقطاب الشيعة الإمامية كان يدرس عند عالم من علماء السنة، هذا العالم كتب كتاباً للرد على الشيعة والتشيع، العلامة الحلي طلب هذا الكتاب من أستاذه ولم يوافق لأنه يعرف أن العلامة ذكي وقادر على الرد، فلم يعطه الكتاب، حاول معه العلامة أن يعطيه، قال: إذا كان كذلك أعطيك إياه ليلة واحدة فقط، أخذ العلامة الكتاب من أستاذه وصمّم على أن يسهر تلك الليلة على الكتاب ويستنسخه بالكامل، ونام وهو يستنسخ الكتاب من شدة التعب، ولمّا نام رأى كأن رجلاً ماثلاً أمامه أخذ منه الكتاب قال له: أساعدك على نسخه، ولم يستيقظ العلامة إلى قريب الفجر، إلاّ والكتاب منسوخ، فعلم العلامة أنه الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه[8].
وهناك الكثير من القصص التي تذكر للقاء بالإمام عجل الله تعالى فرجه[9].
نحن نقول: المقصود بهذا الحديث (من ادعى المشاهدة فهو كاذب مفتر) يعني من ادعى السفارة والنيابة، الإمام يقول: بعد علي بن محمد السمري لا توجد سفارة، أما رؤية الإمام والتشرف بمحضره الشريف والاستفادة من أنواره الشريفة ومن تأييده ومن تسديده فهو أمر شائع مشهور لكثير من العلماء والصلحاء والأبرار، حتى الشخص العادي، فالإمام ورد عنه أنه قال: (ولو أن اشياعناً وفقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا...)[10].
إذن لا يحجبنا عنه إلا ذنوبنا ومعاصينا وتجاوزنا ورذائلنا.
وفي بعض الروايات من قرأ دعاء العهد أربعين صباحاً وفق لرؤية الإمام، إما يقظة وإما في المنام[11].
المصدر: مجلة بيوت المتقين / العدد (50) ـ الصفحة: 20 - 21.
[1] راجع سنن الترمذي: ج٥، ص٣٢٨، السنن الكبرى للنسائي: ج٥، ص ٤٥، المعجم الكبير للطبراني: ج٥، ص ١٥٤ - ١٨٦.
[2] التوبة: ١٠٥.
[3] راجع مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ج٣: ٥٠٤، تفسير القمي، ج١: ٣٠٤.
[4] راجع بصائر الدرجات للصفار: ٤٤٦، الأمالي للشيخ المفيد: ١٩٦.
[5] سورة ق: ١٦.
[6] سورة طه: 20.
[7] الاحتجاج للطبرسي، ج٢: ٢٩٧، كمال الدين للصدوق: ٥١٦، ح٤٤.
[8] راجع البحار للمجلسي، ج٥٣: ٢٥٢.
[9] راجع البحار للمجلسي: ج٥٣، ص ٣٠٢، ج١٠٢، ص٤.
[10] الاحتجاج: الطبرسي، ج٢، ص ٣٢٥.
[11] راجع مهج الدعوات لابن طاووس: ص ٣٣٤، البحار، للمجلسي، ج٥٣، ص ٣٢٨.