الأئمة ورثة الأنبياء والأوصياء الذين من قبلهم

- عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله (صلى الله عليه وآله): (إِنَّ أَوَّلَ وَصِيٍّ كَانَ عَلَى وَجْه الأَرْضِ - هِبَةُ الله بْنُ آدَمَ ومَا مِنْ نَبِيٍّ مَضَى إِلَّا ولَه وَصِيٌّ وكَانَ جَمِيعُ الأَنْبِيَاءِ مِائَةَ أَلْفِ نَبِيٍّ وعِشْرِينَ أَلْفَ نَبِيٍّ مِنْهُمْ خَمْسَةٌ أُولُو الْعَزْمِ - نُوحٌ وإِبْرَاهِيمُ ومُوسَى وعِيسَى ومُحَمَّدٌ (عليهم السلام) وإِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ هِبَةَ الله لِمُحَمَّدٍ ووَرِثَ عِلْمَ الأَوْصِيَاءِ وعِلْمَ مَنْ كَانَ قَبْلَه أَمَا إِنَّ مُحَمَّداً وَرِثَ عِلْمَ مَنْ كَانَ قَبْلَه مِنَ الأَنْبِيَاءِ والْمُرْسَلِينَ عَلَى قَائِمَةِ الْعَرْشِ مَكْتُوبٌ - حَمْزَةُ أَسَدُ الله وأَسَدُ رَسُولِه وسَيِّدُ الشُّهَدَاءِ وفِي ذُؤَابَةِ الْعَرْشِ عَلِيٌّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فَهَذِه حُجَّتُنَا عَلَى مَنْ أَنْكَرَ حَقَّنَا وجَحَدَ مِيرَاثَنَا ومَا مَنَعَنَا مِنَ الْكَلَامِ وأَمَامَنَا الْيَقِينُ فَأَيُّ حُجَّةٍ تَكُونُ أَبْلَغَ مِنْ هَذَا)[1].
2- عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): (إِنَّ سُلَيْمَانَ وَرِثَ دَاوُدَ وإِنَّ مُحَمَّداً وَرِثَ سُلَيْمَانَ وإِنَّا وَرِثْنَا مُحَمَّداً وإِنَّ عِنْدَنَا عِلْمَ التَّوْرَاةِ والإِنْجِيلِ والزَّبُورِ وتِبْيَانَ مَا فِي الأَلْوَاحِ قَالَ قُلْتُ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْعِلْمُ قَالَ لَيْسَ هَذَا هُوَ الْعِلْمَ إِنَّ الْعِلْمَ الَّذِي يَحْدُثُ يَوْماً بَعْدَ يَوْمٍ وسَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ)[2].

3- عَنْ ضُرَيْسٍ الْكُنَاسِيِّ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) وعِنْدَه أَبُو بَصِيرٍ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): (إِنَّ دَاوُدَ وَرِثَ عِلْمَ الأَنْبِيَاءِ وإِنَّ سُلَيْمَانَ وَرِثَ دَاوُدَ وإِنَّ مُحَمَّداً (صلى الله عليه وآله) وَرِثَ سُلَيْمَانَ وإِنَّا وَرِثْنَا مُحَمَّداً (صلى الله عليه وآله) وإِنَّ عِنْدَنَا صُحُفَ إِبْرَاهِيمَ وأَلْوَاحَ مُوسَى فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْعِلْمُ فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ لَيْسَ هَذَا هُوَ الْعِلْمَ إِنَّمَا الْعِلْمُ مَا يَحْدُثُ بِاللَّيْلِ والنَّهَارِ يَوْماً بِيَوْمٍ وسَاعَةً بِسَاعَةٍ)[3].

4- عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) قَالَ: (قَالَ لِي يَا أَبَا مُحَمَّدٍ إِنَّ الله عَزَّ وجَلَّ لَمْ يُعْطِ الأَنْبِيَاءَ شَيْئاً إِلَّا وقَدْ أَعْطَاه مُحَمَّداً ص قَالَ وقَدْ أَعْطَى مُحَمَّداً جَمِيعَ مَا أَعْطَى الأَنْبِيَاءَ وعِنْدَنَا الصُّحُفُ الَّتِي قَالَ الله عَزَّ وجَلَّ: (صُحُفِ إِبْراهِيمَ ومُوسى) * قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ هِيَ الأَلْوَاحُ قَالَ نَعَمْ)[4].

5- عَنْ عَبْدِ الله بْنِ جُنْدَبٍ: (أَنَّه كَتَبَ إِلَيْه الرِّضَا (عليه السلام) أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ مُحَمَّداً (صلى الله عليه وآله) كَانَ أَمِينَ الله فِي خَلْقِه فَلَمَّا قُبِضَ (صلى الله عليه وآله) كُنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ وَرَثَتَه فَنَحْنُ أُمَنَاءُ الله فِي أَرْضِه، عِنْدَنَا عِلْمُ الْبَلَايَا والْمَنَايَا وأَنْسَابُ الْعَرَبِ، ومَوْلِدُ الإِسْلَامِ وإِنَّا لَنَعْرِفُ الرَّجُلَ إِذَا رَأَيْنَاه بِحَقِيقَةِ الإِيمَانِ وحَقِيقَةِ النِّفَاقِ وإِنَّ شِيعَتَنَا لَمَكْتُوبُونَ بِأَسْمَائِهِمْ وأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ أَخَذَ الله عَلَيْنَا وعَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ يَرِدُونَ مَوْرِدَنَا ويَدْخُلُونَ مَدْخَلَنَا لَيْسَ عَلَى مِلَّةِ الإِسْلَامِ غَيْرُنَا وغَيْرُهُمْ نَحْنُ النُّجَبَاءُ النُّجَاةُ ونَحْنُ أَفْرَاطُ الأَنْبِيَاءِ، ونَحْنُ أَبْنَاءُ الأَوْصِيَاءِ ونَحْنُ الْمَخْصُوصُونَ فِي كِتَابِ الله عَزَّ وجَلَّ ونَحْنُ أَوْلَى النَّاسِ بِكِتَابِ الله ونَحْنُ أَوْلَى النَّاسِ بِرَسُولِ الله (صلى الله عليه وآله) ونَحْنُ الَّذِينَ شَرَعَ الله لَنَا دِينَه فَقَالَ فِي كِتَابِه: (شَرَعَ لَكُمْ) يَا آلَ مُحَمَّدٍ (مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِه نُوحاً) قَدْ وَصَّانَا بِمَا وَصَّى بِه نُوحاً (والَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) يَا مُحَمَّدُ: (وما وَصَّيْنا بِه إِبْراهِيمَ ومُوسى وعِيسى) فَقَدْ عَلَّمَنَا وبَلَّغَنَا عِلْمَ مَا عَلِمْنَا واسْتَوْدَعَنَا عِلْمَهُمْ نَحْنُ وَرَثَةُ أُولِي الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ: (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ) يَا آلَ مُحَمَّدٍ: (ولا تَتَفَرَّقُوا فِيه) وكُونُوا عَلَى جَمَاعَةٍ: (كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ) مَنْ أَشْرَكَ بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ (ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْه) مِنْ وَلَايَةِ عَلِيٍّ إِنَّ الله يَا مُحَمَّدُ ( يَهْدِي إِلَيْه مَنْ يُنِيبُ) مَنْ يُجِيبُكَ إِلَى وَلَايَةِ عَلِيٍّ (عليه السلام))[5].

الشرح:

قوله (عليه السلام): (عِنْدَنَا عِلْمُ الْبَلَايَا)، هذا بعض أنواع علومهم ولهم أنواع اُخر مثل علم أسرار المبدأ والمعاد وأسرار القضاء والقدر وأحوال الجنّة والنّار ومراتب المقامات والدّركات وعلم الأَحكام والحدود إلى غير ذلك ممّا لا يعلم قدرها وكمّيتها وكيفيّتها إلّا العالم المحيط بالكلِّ.

قوله (عليه السلام): (وأَنْسَابُ الْعَرَبِ)، صحيحها وفاسدها وإنّما خصَّ العرب بالذِّكر مع علمهم بأنساب الخلف كلّهم لقربهم ولكونهم أشرف القبايل.

قوله (عليه السلام): (ومَوْلِدُ الإِسْلَامِ)، أي موضع تولّده ومحلّ ظهوره فإنّهم يعلمون من يظهر منه الإسلام ومن يظهر منه الكفر.

قوله (وإِنَّا لَنَعْرِفُ الرَّجُلَ)، وذلك لصفاء نفوسهم وكمال بصيرتهم يعرفون حال كلِّ نفس من النفوس البشريّة خيراً كان أو شرّاً عند مشاهدتهم فهم يعرفون المؤمن من المنافق.

قوله (عليه السلام): (وإِنَّ شِيعَتَنَا لَمَكْتُوبُونَ)، أي في اللّوح المحفوظ أو في مصحف فاطمة (عليها السلام) وهو الّذي أخبرها جبرئيل (عليه السلام) بعد موت أبيها إلى زمان وفاتها وكتبه عليّ (عليه السلام) بيده أو في الجعفر والجامعة على احتمال بعيد بالنظر إلى تفسيرهما.

قوله (عليه السلام): (أَخَذَ الله عَلَيْنَا وعَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ)، فقد أخذ الله تعالى على كلّ من الفريقين عهداً على رعاية حقوق الآخر والحقّان ما أشار إليهما أمير المؤمنين (عليه السلام)، في بعض خطبه يقول: (أيّها الناس إنّ لي عليكم حقاً ولكم عليّ حقُّ أمّا حقّكم عليّ فالنصيحة وتوفير فيئكم عليكم وتعليمكم كيلا تجهلوا وتأديبكم كيما تعلّموا، أمّا حقّي عليكم فالوفاء بالبيعة والنصيحة في المشهد والمغيب والإجابة حين أدعوكم والطاعة حين آمركم).

قوله (عليه السلام): (لَيْسَ عَلَى مِلَّةِ الإِسْلَامِ غَيْرُنَا وغَيْرُهُمْ)، أريد بالإسلام الإيمان وقد كثر هذا الإطلاق في لسان الشرع، أو أريد به معناه المعروف وهو الإقرار بالله ورسوله لأنَّ غيرهم غير مقرِّين بهما بحسب التحقيق كما مرّ سابقاً.

قوله (عليه السلام): (يَرِدُونَ مَوْرِدَنَا) أريد بالمورد: الدّين الحق أو الحوض، وبالمدخل: الجنّة أو مقام الشفاعة.

ثم قال (عليه السلام): (نَحْنُ النُّجَبَاءُ النُّجَاةُ)، النجيب الفاضل الكريم السخي. والنجاة: جمع ناج للتكسير، والناجي: هو الخالص من موجبات العقوبة والحرمان من الرّحمة.

قوله (عليه السلام): (ونَحْنُ أَفْرَاطُ الأَنْبِيَاءِ)، الأفراط: جمع فرط وهو الذي يتقدّم الواردة فيهيّى لهم الأرشاء والدلاء ويمدر الحياض ويستقي لهم، ويقال: رجل فرط وقوم فرط أيضاً وفي الحديث: (أنا فرطكم على الحوض)، ومنه قيل للطفل الميت: (اللّهمّ اجعله لنا فرطاً)، أي أجراً يتقدّ منا حتّى نرد عليه.

قوله (عليه السلام): (ونَحْنُ الْمَخْصُوصُونَ فِي كِتَابِ الله عَزَّ وجَلَّ)، بالمدح أو القرابة أو الإمامة.

قوله (عليه السلام): (ونَحْنُ أَوْلَى النَّاسِ بِكِتَابِ الله)، لنزوله في بيتنا ولعلمنا بحلاله حرامه وجميع ما فيه، وليس هذا لأحد غيرنا.

قوله (عليه السلام): (ونَحْنُ أَوْلَى النَّاسِ بِرَسُولِ الله ص)، بالقرابة والتعلّم والصحبة المتكرّرة لأنّ ما لعلي (عليه السلام) مع النبي (صلى الله عليه وآله) من المصاحبة والقرابة اللّتين لم تكونا لأحد من الصحابة مشهور لا ينكره أحد.

قوله (عليه السلام): ((شَرَعَ لَكُمْ)، أي بيّن وأوضح لكم ((مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِه) أي أمر به وبحفظه وتبليغه (نُوحاً).

قوله (عليه السلام): (والَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ)، إنّما لم يقل وصينا كما قال في غيره من اُولي العزم للإشارة إلى تأكّد عزمه حتّى لا يحتاج إلى التوصية والمبالغة.

قوله (عليه السلام): (نَحْنُ وَرَثَةُ أُولِي الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ)، ورثة علمهم ودينهم، ثمّ بين (عليه السلام) الوصيّة المذكورة بقوله تعالى (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ)، والمراد به اُصوله المشتركة بين الجمع مثل التوحيد والحشر وأحوال المعاد ونحوها بقرينة قوله (ولا تَتَفَرَّقُوا فِيه)، لأن فروع الشرائع مختلفة بحسب اختلاف الأزمنة والمصالح.

قوله (عليه السلام): (وكُونُوا عَلَى جَمَاعَةٍ)، وهم أولو العزم.

قوله (عليه السلام): (إِنَّ الله يَا مُحَمَّدُ (يَهْدِي إِلَيْه مَنْ يُنِيبُ)، الآية هكذا (الله يجتبي مَنْ يشاء ويهدي إليه من يُنيب)، أي الله يختار من يشاء من عباده لهداية الخلق وإرشادهم، ويهدي إلى ما تدعوهم إليه من دين الحقّ من يجيبك إلى ولاية عليّ ويقرّ بها.

مجلة بيوت المتقين العدد (65)

 


[1] الكافي، الشيخ الكليني: ج١، ص224.

[2] الكافي، الشيخ الكليني: ج١، ص224.

[3] الكافي، الشيخ الكليني: ج١، ص225.

[4] الكافي، الشيخ الكليني: ج١، ص225.

[5] الكافي، الشيخ الكليني: ج١، ص223.