كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

 

الفصل الأوّل أهميتهما وموارد وجوبهما واستحبابهما

إنّ من أعظم الواجبات الدينيّة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال الله تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.

روي عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: (كيف بكم إذا فسدت نساؤكم، وفسق شبابكم، ولم ‏تأمروا بالمعروف ولم ‏تنهوا عن المنكر ) فقيل له: ويكون ذلك يا رسول الله؟ قال (صلّى الله عليه وآله): (نعم) فقال: ( كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر، ونهيتم عن المعروف؟) فقيل له: يا رسول الله ويكون ذلك؟ فقال: (نعم، وشرّ من ذلك كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً؟).

وقد روي عنهم (علىهم السلام): (أنّ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تقام الفرائض، وتأمن المذاهب، وتحلّ المكاسب، وتمنع المظالم، وتُعمَّر الأرض، وينتصف للمظلوم من الظالم، ولا يزال الناس بخير ما أمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر، وتعاونوا على البرّ، فإذا لم ‏يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات وسلّط بعضهم على بعض، ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء).

مسألة 1270: يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع كون المعروف واجباً والمنكر حراماً، ووجوبه عندئذٍ كفائيّ يسقط بقيام البعض به، نعم وجوب إظهار الكراهة قولاً أو فعلاً من ترك الواجب أو فعل الحرام عينيّ لا يسقط بفعل البعض، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: أمرنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أن نلقى أهل المعاصي بوجوه مُكْفَهِرَّة).

مسألة 1271: إذا كان المعروف مستحبّاً يكون الأمر به مستحبّاً، فإذا أمر به كان مستحقّاً للثواب، وإن لم‏ يأمر به لم يكن عليه إثم ولا عقاب.

ويلزم أن يُراعى في الأمر بالمستحبّ أن لا يكون على نحو يستلزم إيذاء المأمور أو إهانته، كما لا بُدَّ من الاقتصار فيه على ما لا يكون ثقيلاً عليه بحيث يزهّده في الدين، وهكذا الحال في النهي عن المكروه.

الفصل الثاني في شرائطهما

ويشترط في وجوب الأمر بالمعروف الواجب، وفي النهي عن المنكر أُمور :

الأوّل: معرفة المعروف والمنكر ولو إجمالاً، فلا يجب الأمر بالمعروف على الجاهل بالمعروف، كما لا يجب النهي عن المنكر على الجاهل بالمنكر، نعم قد يجب التعلّم مقدّمة للأمر بالأوّل والنهي عن الثاني.

الثاني: احتمال ائتمار المأمور بالمعروف بالأمر، وانتهاء المنهيّ عن المنكر بالنهي، فإذا لم‏ يحتمل ذلك، وعلم أنّه لا يبالي بالأمر أو النهي ولا يكترث بهما فالمشهور بين الفقهاء (رضوان الله تعالى علىهم) أنّه لا يجب عليه شيء تجاهه، ولكن لا يترك الاحتياط بإظهار الكراهة فعلاً أو قولاً لتركه المعروف أو ارتكابه المنكر ولو مع عدم احتمال الارتداع به.

الثالث: أن يكون تارك المعروف أو فاعل المنكر بصدد الاستمرار في ترك المعروف وارتكاب المنكر، فإذا كانت أمارة على ارتداع العاصي عن عصيانه لم يجب شيء، بل لا يجب بمجرّد احتمال ذلك احتمالاً معتدّاً به، فمن ترك واجباً أو فعل حراماً واحتمل كونه منصرفاً عنه أو نادماً عليه لم يجب شيء تجاهه، ولو عرف من الشخص عزمه على ارتكاب المنكر أو ترك المعروف ولو لمرّة واحدة وجب أمره أو نهيه قبل ذلك.

الرابع: أن يكون المعروف والمنكر منجّزاً في حقّ الفاعل، فإن كان معذوراً في فعله المنكر أو تركه المعروف لاعتقاد أنّ ما فعله مباح وليس بحرام أو أنّ ما تركه ليس بواجب وكان معذوراً في ذلك للاشتباه في الموضوع أو الحكم اجتهاداً أو تقليداً لم يجب شيء تجاهه، وكذا إذا لم يكن معذوراً في فعله وذلك في بعض الموارد كما إذا عجز عن الجمع بين امتثال تكليفين بسوء اختياره وصرف قدرته في امتثال الأهمّ منهما فإنّه لا يكون معذوراً في ترك المهمّ وإن كانت وظيفته عقلاً الإتيان بالأهمّ انتخاباً لأخفّ القبيحين بل والمحرّمين.

هذا ولو كان المنكر ممّا لا يرضى الشارع بوجوده مطلقاً كالإفساد في الأرض وقتل النفس المحترمة ونحو ذلك فلا بُدَّ من الردع عنه ولو لم ‏يكن المباشر مكلّفاً فضلاً عمّا إذا كان جاهلاً بالموضوع أو بالحكم.

الخامس: أن لا يلزم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضرر على الآمر في نفسه أو عرضه أو ماله بالمقدار المعتدّ به، وكذا لا يلزم منه وقوعه في حرج لا يتحمّل عادةً، فإذا لزم الضرر أو الحرج لم يجب عليه ذلك إلّا إذا أحرز كونه بمَثابة من الأهمّيّة عند الشارع المقدّس يهون دونه تحمّل الضرر أو الحرج، ولا فرق فيما ذكر بين العلم بلزوم الضرر أو الظنّ به أو الاحتمال المعتدّ به عند العقلاء الموجب لصدق الخوف.

وإذا كان في الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر خوف الإضرار ببعض المسلمين في نفسه أو عرضه أو ماله المعتدّ به سقط وجوبه، نعم إذا كان المعروف والمنكر من الأُمور المهمّة شرعاً فلا بُدَّ من الموازنة بين الجانبين بلحاظ قوّة الاحتمال وأهمّيّة المحتمل، فربّما لا يحكم بسقوط الوجوب به.

مسألة 1272: لا يختصّ وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بصنف من الناس دون صنف، بل يجب عند اجتماع الشرائط المذكورة على العلماء وغيرهم والعدول والفسّاق والسلطان والرعيّة والأغنياء والفقراء، ولا يسقط وجوبه ما دام كون الشخص تاركاً للمعروف وفاعلاً للمنكر وإن قام البعض بما هو وظيفته من المقدار المتيسّر له منه.

الفصل الثالث فى مراتبهما

وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مراتب:

الأُولى: أن يأتي المكلّف بعمل يظهر به انزجاره القلبيّ وتذمّره من ترك المعروف أو فعل المنكر، كإظهار الانزعاج من الفاعل أو الإعراض والصدّ عنه أو ترك الكلام معه أو نحو ذلك من فعل أو ترك يدلّ على كراهة ما وقع منه.

الثانية: الأمر والنهي باللسان والقول كأن يعظ الفاعل وينصحه، ويذكر له ما أعدّ الله تعالى للعاصين من العقاب الأليم والعذاب في الجحيم، أو يذكر له ما أعدّه الله تعالى للمطيعين من الثواب الجسيم والفوز في جنّات النعيم، ومنه التغليظ في الكلام والوعيد على المخالفة وعدم الإقلاع عن المعصية بما لا يكون كذباً.

الثالثة: إعمال القوّة في المنع عن ارتكاب المعصية بفَرْك الأذن أو الضرب أو الحبس ونحو ذلك ممّا كان من وظائف المحتسب في بعض الأزمنة السابقة، وفي جواز هذه المرتبة من غير إذن الإمام (عليه السلام) أو نائبه إشكال فلا يترك مراعاة الاحتياط في ذلك.

ولكلّ واحدة من هذه المراتب درجات متفاوتة شدّة وضعفاً، والمشهور بين الفقهاء (رضوان الله تعالى علىهم) الترتّب بين هذه المراتب، فإن كان إظهار الإنكار القلبيّ كافياً في الزجر اقتصر عليه، وإلّا أنكر باللسان، فإن لم ‏يكفِ ذلك أنكره بيده، ولكن المختار أنّ المرتبتين الأُوليين في درجة واحدة فيختار الآمر أو الناهي ما يحتمل كونه مؤثّراً منهما وقد يلزمه الجمع بينهما.

وأمّا المرتبة الثالثة فهي مترتّبة على عدم تأثير الأُوليين.

ويلزمه في المراتب الثلاثة الترتيب بين درجاتها فلا ينتقل إلى الأشدّ إلّا إذا لم‏ يكفِ الأخفّ إيذاءً أو هتكاً، وربّما يكون بعض ما تتحقّق به المرتبة الثانية أخفّ من بعض ما تتحقّق به المرتبة الأُولى، بل ربّما يتمكّن البصير الفَطِن أن يردع العاصي عن معصيته بما لا يوجب إيذاءه أو هتكه فيتعيّن ذلك.

مسألة 1273: إذا لم‏ تكفِ المراتب المذكورة في ردع الفاعل لم ‏يجز الانتقال إلى الجرح والقتل وكذا إذا توقّف على كسر عضو من يد أو رجل أو غيرهما أو إعابة عضو كشلل أو اعوجاج أو نحوهما فإنّه لا يجوز شيء من ذلك، وإذا أدّى الضرب إلى ذلك - خطأً أو عمداً - ضمن الآمر والناهي لذلك، فتجري عليه أحكام الجناية العمديّة إن كان عمداً والخطائيّة إن كان خطأً.

نعم يجوز للإمام (عليه السلام) ونائبه ذلك إذا كان يترتّب على معصية الفاعل مفسدة أهمّ من جرحه أو قتله، وحينئذٍ لا ضمان عليه.

الفصل الرابع في سائر أحكامهما

مسألة 1274: يتأكّد وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حقّ المكلّف بالنسبة إلى أهله، فيجب عليه إذا رأى منهم التهاون في الواجبات، كالصلاة وأجزائها وشرائطها، بأن لا يأتوا بها على وجهها، لعدم صحّة القراءة والأذكار الواجبة أو لا يتوضّأوا وضوءاً صحيحاً أو لا يطهّروا أبدانهم ولباسهم من النجاسة على الوجه الصحيح أمرهم بالمعروف على الترتيب المتقدّم حتّى يأتوا بها على وجهها.

وكذا الحال في بقيّة الواجبات وكذا إذا رأى منهم التهاون في المحرّمات كالغيبة والنميمة والعدوان من بعضهم على بعض أو على غيرهم أو غير ذلك من المحرّمات فإنّه يجب أن ينهاهم عن المنكر حتّى ينتهوا عن المعصية، ولكن في جواز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالنسبة إلى الأبوين بغير القول اللّيّن وما يجري مجراه من المراتب المتقدّمة نظر وإشكال فلا يترك الاحتياط في ذلك.

مسألة 1275: إذا صدرت المعصية من شخص من باب الاتّفاق وعُلِمَ أنّه غير عازم على العود إليها لكنّه لم‏ يتب منها وجب أمره بالتوبة، فإنّها واجبة عقلاً لحصول الأمن من الضرر الأُخرويّ بها، هذا مع التفات الفاعل إليها، أمّا مع الغفلة فلا يجب أمره بها وإن كان هو الأحوط استحباباً.

فائدة:

قال بعض الأكابر (رضوان الله تعالى عليهم): إنّ من أعظم أفراد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأعلاها وأتقنها وأشدّها، خصوصاً بالنسبة إلى رؤساء الدين أن يلبس رداء المعروف واجبه ومندوبه، وينزع رداء المنكر محرّمه ومكروهه، ويستكمل نفسه بالأخلاق الكريمة، وينزّهها عن الأخلاق الذميمة، فإنّ ذلك منه سبب تامّ لفعل الناس المعروف، ونزعهم المنكر، خصوصاً إذا أكمل ذلك بالمواعظ الحسنة المُرَغِّبة والمُرَهِّبة، فإنّ لكلّ مقام مقالاً، ولكلّ داء دواء، وطبّ النفوس والعقول أشدّ من طبّ الأبدان بمراتب كثيرة، وحينئذٍ يكون قد جاء بأعلى أفراد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

ختام

وفيه مطلبان

المطلب الأوّل في ذكر بعض الأُمور التي هي من المعروف

منها: الاعتصام بالله تعالى، قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللّٰهِ فَقَـدْ هُــــدِيَ إِلىٰ صِرٰاطٍ مُسْتَقِيــــــمٍ﴾، وروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: (أوحى الله تعالى إلى داود: ما اعتصم بي عبد من عبادي دون أحد من خلقي عرفت ذلك من نيّته، ثُمَّ تَكيده السماوات والأرض ومن فيهنّ إلّا جعلت له المخرج من بينهنّ).

ومنها: التوكّل على الله سبحانه، الرؤوف الرحيم بخلقه العالم بمصالحه والقادر على قضاء حوائجهم.

وإذا لم‏ يتوكّل عليه تعالى فعلى مَنْ يتوكّل، أَعَلىٰ نفسه، أم عَلىٰ غيره مع عجزه وجهله؟ قال الله تعالى: ﴿وَمَـــنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّٰهِ فَهُــوَ حَــــسْبُهُ﴾ وروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: (الغِنى والعزّ يجولان، فإذا ظفرا بموضع من التوكّل أوطنا).

ومنها: حسن الظنّ بالله تعالى، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) فيما قال: (والذي لا إله إلّا هو لا يحسن ظنّ عبد مؤمن بالله إلّا كان الله عند ظنّ عبده المؤمن، لأنّ الله كريم بيده الخير يستحي أن يكون عبده المؤمن قد أحسن به الظنّ ثُمَّ يخلف ظنّه ورجاءه، فأحسنوا بالله الظنّ وارغبوا إليه).

ومنها: الصبر عند البلاء، والصبر عن محارم الله، قال الله تعــــالى: ﴿إِنَّمٰـــــا يُـــــوَفَّى الصّٰــــابِرُونَ أَجْـــــرَهُـــمْ بِغَيْـــــرِ حِــــــسٰابٍ﴾ وروي عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في حديث أنّه قال: (فاصبر فإنّ في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً، واعلم أنّ النصر مع الصبر، وأنّ الفرج مع الكرب، فإنّ مع العسر يسراً، إنّ مع العسر يسراً)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: (لا يعدم الصبور الظفر وإن طال به الزمان)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: (الصبر صبران: صبر عند المصيبة حسن جميل، وأحسن من ذلك الصبر عند ما حرّم الله تعالى عليك).

ومنها: العفّة، فعن أبي جعفر (عليه السلام): (ما عبادة أفضل عند الله من عفّة بطن وفرج)، وعن أبي عبد الله (عليه السلام): (إنّما شيعة جعفر من عفّ بطنه وفرجه، واشتدّ جهاده، وعمل لخالقه، ورجا ثوابه، وخاف عقابه، فإذا رأيت أولئك فأولئك شيعة جعفر ) (عليه السلام).

ومنها: الحلم، روي عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: (ما أعزّ الله بجهل قطّ، ولا أذلّ بحلم قطّ)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: (أوّل عوض الحليم من حلمه أنّ الناس أنصاره على الجاهل) وعن الرضا (عليه السلام) أنّه قال: (لا يكون الرجل عابداً حتّى يكون حليماً).

ومنها: التواضع، روي عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: (مَنْ تواضع لله رفعه الله ومَنْ تكبّر خفضه الله، ومن اقتصد في معيشته رزقه الله ومن بذّر حرمه الله، ومن أكثر ذكر الموت أحبّه الله تعالى).

ومنها: إنصاف الناس ولو من النفس، روي عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: (سيّد الأعمال إنصاف الناس من نفسك، ومواساة الأخ في الله تعالى على كلّ حال).

ومنها: اشتغال الإنسان بعيبه عن عيوب الناس، فعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: (طوبى لمن شغله خوف الله عزّ وجلّ عن خوف الناس، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب المؤمنين)، وعنه (صلّى الله عليه وآله): (إنّ أسرع الخير ثواباً البرّ، وإنّ أسرع الشرّ عقاباً البغي، وكفى بالمرء عيباً أن يبصر من الناس ما يعمى عنه من نفسه، وأن يعيّر الناس بما لا يستطيع تركه، وأن يؤذي جليسه بما لا يعنيه).

ومنها: إصلاح النفس عند ميلها إلى الشرّ، روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: (من أصلح سريرته أصلح الله تعالى علانيته، ومن عمل لدينه كفاه الله دنياه، ومن أحسن فيما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس).

ومنها: الزهد في الدنيا وترك الرغبة فيها، روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: (من زهد في الدنيا أثبت الله الحكمة في قلبه، وانطلق بها لسانه، وبصّره عيوب الدنيا داءها ودواءها، وأخرجه منها سالماً إلى دار السلام).

وروي أنّ رجلاً قال لأبي عبد الله (عليه السلام): (إنّي لا ألقاك إلّا في السنين فأوصني بشيء حتّى آخذ به؟ فقال (عليه السلام): أوصيك بتقوى الله، والورع والاجتهاد، وإيّاك أن تطمع إلى من فوقك، وكفى بما قال الله سبحانه لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) ﴿وَلٰا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلىٰ مٰا مَتَّعْنٰا بِهِ أَزْوٰاجَاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا﴾، وقال تعالى: ﴿فَلٰا تُعْجِبْكَ أَمْوٰالُهُمْ وَلٰا أَوْلٰادُهُمْ﴾ فإن خفت ذلك فاذكر عيش رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فإنّما كان قوته من الشعير وحلواه من التمر ووَقوده من السَّعَف إذا وجده، وإذا أصبت بمصيبة في نفسك أو مالك أو ولدك فاذكر مصابك برسول الله (صلّى الله عليه وآله) فإنّ الخلائق لم ‏يصابوا بمثله قطّ).

المطلب الثاني في ذكر بعض الأُمور التي هي من المنكر

منها: الغضب، فعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: (الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الخَلّ العسل)، وعن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: (الغضب مفتاح كلّ شرّ ) وعن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه قال: (إنّ الرجل ليغضب فما يرضى أبداً حتّى يدخل النار، فأيّ ما رجل غضب على قومه وهو قائم فليجلس من فوره ذلك، فإنّه سيذهب عنه رجس الشيطان، وأيّ ما رجل غضب على ذي رحم فَلْيَدْنُ منه فَلْيَمَسَّهُ، فإنّ الرحم إذا مسّت سكنت).

ومنها: الحسد، فعن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) أنّهما قالا: (إنّ الحسد ليأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب)، وعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال ذات يوم لأصحابه: (إنّه قد دبّ إليكم داء الأمم من قبلكم، وهو الحسد ليس بحالق الشعر، ولكنّه حالق الدين، ويُنْجي منه أن يكفّ الإنسان يده، ويخزن لسانه، ولا يكون ذا غمز على أخيه المؤمن).

ومنها: الظلم، روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: (من ظلم مظلمة أخذ بها في نفسه أو في ماله أو في ولده)، وروي عنه أيضاً أنّه قال: (ما ظفر بخير من ظفر بالظلم، أما إنّ المظلوم يأخذ من دِين الظالم أكثر ممّا يأخذ الظالم من مال المظلوم).

ومنها: كون الإنسان ممّن يُتّقى شرّه، فعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: (شرّ الناس عند الله يوم القيامة الذين يكرمون اتّقاء شرّهم)، وعن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: (ومن خاف الناس لسانه فهو في النار) وعنه (عليه السلام) أيضاً: (إنّ أبغض خلق الله عبد اتّقى الناس لسانه) ولنكتفِ بهذا المقدار .

والحمد لله أوّلاً وآخراً، وهو حسبنا ونعم الوكيل