الإسلام في الهند:
الهند هي موطن ثاني أكبر تعداد للمسلمين في العالم، وهم جزء أساسي وفاعل في تركيبة المجتمع الهندي، وقد ضرب المسلمون الهنود بوصفهم جزءاً من الأمة الإسلامية مثالاً للتعايش السلمي مع الأغلبية غير المسلمة، ويشهد كل فصل من فصول تاريخ الإسلام في الهند الذي امتد على مدار الخمسة عشر قرناً الأخيرة على إسهامهم البارز في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية في الهند
لقد عرفت الهند الإسلام مع نزول الرسالة، وكان ذلك من خلال التجار العرب الذين كانوا يَفِدُون إلى المناطق الساحلية، ونظراً لأن هؤلاء التجار كانوا يتمتعون بسمعة جيدة بفضل تعاملاتهم التجارية النزيهة فقد قوبلت رسالة الإسلام التي نقلوها بكل الاحترام من جانب طبقات المجتمع الهندي كافة، وقد كان لهؤلاء في تلك الفترة دور كبير في نشر رسالة المساواة والأخوة الإنسانية والتي نالت القبول من الجميع بغض النظر عن حدود الديانة، وقد كان أبناء مدينة مالبار وجوجرات أول من أسلموا في الهند، ونظراً لأنهم كانوا يرتبطون بعلاقات تجارية وثيقة مع أوروبا لذلك أضافوا قوة إلى قوة المسلمين الاقتصادية.
البدائع المعمارية الفنية في الهند:
لقد خلف المسلمون بعضاً من أهم وأجمل الآثار على مستوى العالم، فقد تم بناء بعض من التحف الأثرية والمعمارية التي لا تزال تدهش العالم، مثل تاج محل والقلعة الحمراء والمسجد الجامع التي وقفت لتتحدى بجمالها عمارة المعابد التي تفردت بها الهند.
كما تضم الهند آلافا من المساجد التي لعبت دوراً هاماً في نشر الإشعاع الديني والثقافي للمسلمين في داخل البلاد وخارجها، وكانت محط آمال طلاب العلوم الإنسانية الإسلامية واللغة العربية إلى جانب كونها مثلاً حياً لروائع الفن المعماري المستمد من الصبغة المحلية الهندية والإسلامية.
بناء المساجد في الهند:
حينما تمكن نفوذ المسلمين في شمال الهند في أواخر القرن الثاني عشر الميلادي كانت الهند تتبع أنذاك أسلوباً راقياً في فن البناء، وقد عرف المسلمون فن البناء الذي كان متبعاً في بلاد مصر وفارس وتركيا، ولم يكن بين هذه الفنون والفن المعماري الهندي كثير من أوجه الشبه لأن المساجد كانت عبارة عن مبان تقام لتغطية مكان فسيح مفتوح، وتنقسم إلى قاعات وغرف متسعة في بعض الأحيان، بينما كانت المباني الهندية ذات تشكيلات بنائية وزخارف فنية مليئة بالصور الآدمية والأشكال الرمزية.
وبفضل الاتصالات بين الفنين نشأ مزيج رائع من هذين الأسلوبين في البناء، وأتت إلى الوجود في أحضان الهند الفسيحة الأرجاء مساجد ضخمة تمثل خير ما حققته البدائع المعمارية الفنية في الهند، وأصبحت شاهد عيان على التراث الثقافي الإسلامي فيها وجمال الفن الهندي الإسلامي المشترك.
مسجد شيرمان جمعة.. أوّل مسجد في الهند :
يعتبر مسجد شيرمان جمعة من أقدم المساجد في الهند فهو أول مسجد بني فيها، وتحديدا في ولاية كيرلا الهندية، حيث أُسّس في القرن السابع على يد التابعي مالك بن دينار، ولا يزال هذا المسجد عامراً بالمصلين والزائرين ومحط أنظار الباحثين والسياح.
وتحكي أسطورة بنائه أنّ شيرمان حاكم (كيرلا) في تلك الفترة رأى رؤيا احتار في تفسيرها حيث انه رأى قمرا جديدا انقسم نصفين في الأفق، فاستدعى المفسّرين في مملكته لتفسيرها فلم يُقنعه تفسيرهم لرؤياه، لكن تصادف في تلك الفترة مرور تجار من الجزيرة العربية وعرض عليهم الحُلم ففسّروه له بأن الرؤية تشير إلى ظهور النبي محمد (صلى الله عليه وآله) في مكة المكرمة، فذهب شيرمان إلى الأراضي المقدسة وقضى عدّة سنوات، وهناك اعتنق الإسلام وغيّر اسمه إلى تاج الدين، وفي طريق عودته إلى بلاده مرض ومات في مدينة (صلالة) بسلطنة عُمان، وقبل وفاته أوصى مَن كان معه أن يبني مسجد في بلدته، لينفذ مالك بن دينار وصيته وبنى المسجد بولاية كيرلا عام 629 م، فكان أوّل مسجد يُبنى بالهند وأعيد بناؤه في القرن الحادي عشر ليتسع مزيدا من المصلين، وأعيد بناؤه عدة مرات مع المحافظة على شكله الذي أسس عليه، وما زال لحد الآن تُقام فيه الصّلوات الخمس بالإضافة إلى صلاة الجمعة.
المصدر: بيوت المتقين (43) شهر رجب 1438هـ