أهداف بعثة النبي الآكرم (صلى الله عليه وآله)

1- الدعوة إلى العقل والتعقل:

القران الكريم دعا وحث مراراً عبر آياته الشريفة إلى العقل والتعقل والتدّبر، وجاءت العديد من الأحاديث عن طريق أهل العصمة (عليهم السلام) توضح تلك الآيات المباركات، ومسألة التعقل والتدّبر مسألة جدُّ مهمة؛ لأن جل اعتقاداتنا وسلوكنا مرهونة بالعقل والتعقل، فلا قيمة لعقيدة أياًّ كانت من دون إعمال هذه المسألة في قبولها أو ردّها، بل ولا توجد قيمة حقيقية للإنسان إلا من خلال العقل.

وفي الحقيقة لا يوجد دين أكد على العقل والتعقل كما أكد عليه الإسلام الحنيف، فقد ورد في الروايات الشريفة عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: (لما خلق الله العقل استنطقه، ثم قال له: أقبل فأقبل، ثم قال له: أدبر فأدبر، ثم قال: وعزتي وجلالي، ماخلقت خلقاً هو أحب إلي منك ولا أكملتك إلا فيمن أحب، أما إني إياك آمر وإياك أنهى وإياك أعاقب وإياك أثيب)[1]، إذن: حساب الناس على قدر عقولهم وهذه نقطة أساسية، فالأهداف العليا للبعثة الشريفة هي دعوة الناس إلى العقل لا إلى الخرافة والجهل، بل إخراجهم من ظلمات الجهل إلى نور العقل، فبالعقل يكون الإنسان إنساناً هذه من الأساسيات التي قامت عليها دعوة الرسول الأكرم وسائر الأنبياء، وقد ذكر الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في خطبة له في نهج البلاغة هذا الأمر حيث يقول: (فبعث فيهم رسله، وواتر إليهم أنبياءه، ليستأدوهم ميثاق فطرته، ويذكّروهم منسيَّ نعمته، ويحتجوا عليهم بالتبليغ، ويثيروا لهم دفائن العقول)[2].

2- إتمام مكارم الأخلاق ومحامد الخصال:

من أهداف البعثة النبوية الشريفة إتمام مكارم الأخلاق فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)[3]، فالنفس البشرية تتوق إلى التخلق بالفضائل؛ لأنها كمال للنفس وحب الكمال من قبل النفس الإنسانية أمر فطري، ولعل الكثير ممن دخل الإسلام من خلال أخلاقيات الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) ومن خلال أخلاقيات الأئمة (عليهم السلام)، ولذا فالقرآن الكريم ذكر الكثير من الآيات الكريمة التي تُميز الخُلق الحسن من الخُلق القبيح، فتمدح الأول وتذم الثاني، وهذا يحتاج إلى بحث طويل فالآيات المباركات كثيراً ما تحدثت عن مسألة الأخلاق وأسست منظومة أخلاقية متكاملة تجسدت في شخصية الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وسيرته وسلوكه، حتى أخبر القرآن الكريم واصفاً نبيّه بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)[4]، فلم يكن ذلك من فراغ أو من عاطفة بل عن واقعية وأحقية، والصياغة البلاغية لهذه الآية الكريمة تدل على التأكيد كما يقول النحاة.

3- العلم والتعلّم من أهداف البعثة النبوية الشريفة:

بعد التعقل الموصل إلى العبودية التي توصل بدورها الإنسان إلى الرقي الأخلاقي يأتي الحديث عن العلم والتعلّم، والذي هو هدف من أهداف البعثة النبوية الشريفة، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ)[5]، ولذا جاء الخطاب الإلهي للنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) في أول البعثة بالقراءة، قال سبحانه وتعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَق * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَم * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)[6]، فالحديث هنا عن العلم والقلم وليس عن الجهل والحرب والسلاح، فالعلم الخاضع للعقل والأخلاق يوصل إلى السلم والسلام بين الشعوب ويدفع باتجاه التقدم والرقي في سلّم الكمال، وهناك أبحاث وجوانب أخرى جديرة بالتوقف عندها ولكن المجال لا يسمح بعرضها.

 


[1] الكافي للكليني: ج1، ص.10.

[2] نهج البلاغة: ج 1، ص 91.

[3] البحار للمجلسي: ج16، ص 210.

[4] سورة القلم: 4.

[5] سورة الجمعة:2.

[6] سورة العلق:1-5.