من أشرف وأعز وأرقى وأنقى وأدوم العلاقات بعد العلاقة بالله جلّ وعلا هي العلاقة بحجج الله على الأرض, وما هي إلاّ امتداد للعلاقة مع الودود الرحيم، بل هي حلقة الوصل معه جلّ وعلا، ونحن إذ ندرك هذا الأمر ونؤمن به ونستشعره وجداناً إلّا، إنه عادةً ما ينقصنا أبجديات تحريك هذه العلاقة وبنائها وتعزيزها والاستفادة منها واستثمارها بوجهها الصحيح، فالإيمان بهذه العلاقة يعوزه العمل بها، والعمل بها يحتاج إلى ترك العمل بما ينافيها أو ينقصها، ويحتاج العملان (الفعل والترك) المداومة والمطاولة إلى أنْ يصبحا سلوكاً وحالاً وملكةً عند صاحبهما، وذلك هو الفتح المبين.
ولا ندّعي اننا من أصحاب ذلك الفتح المبين، وقد ينطبق على حالنا ما قاله الشاعر:
وغير تقي يأمر الناس بالتقـى طبيب يداوي الناس وهو عليل
وتعلقاً بما ورد عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) ما يشير إلى أنّ الدال على الخير كفاعله، نضع بين أيديكم بعض مرتكزات هذه العلاقة:
أولاً: النظر بهذه القضية، ونقصد بالنظر هنا التفكّر والتمعّن والتأمّل، بالإضافة الى التسلّح بالثقافة المهدوية الرصينة، نتعرف على تفاصيلها عقيدة وتأريخاً ومستقبلاً، وكذلك علينا أنْ نتعرف على الشبهات وردودها، فقد كُتب في هذه القضية المباركة ما يزوّد القارئ والباحث مادة علمية تغنيه خير غناء.
ثانياً: الإحساس والاستشعار بوجود الإمام شخصاً أو كرعاية أو بركة أو دعاءً، في كلّ خير نجده ونراه ونحس به في حياتنا، فقد كتب الإمام (عليه السلام) مخاطباً الشيخ المفيد: (...إنا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء (الشدة وضيق المعيشة) واصطلمكم (اصطلمه: استأصله) الأعداء فاتقوا الله جل جلاله، وظاهرونا على انتياشكم (انتاشه من الهلكة: أنقذه) من فتنة قد أنافت(أناف على الشيء: طال وارتفع عليه) عليكم، يهلك فيها من حم أجله(أي: قرب) ويحمى عنها من أدرك أمله..)[1].
ثالثاً: وكذلك علينا أنْ نلجأ إليه، ونندبه، ونتخذه الوسيلة عندما نمرّ بأية أزمة نفسية، أو جسدية، أو في عمل، وما شاكل ذلك، فإنّ إغاثة الملهوف وإعانة المضطر من أعماله صلوات الله عليه وديدنه.
رابعاً: أنْ نذكره في دعائنا، وصلاتنا، وصدقتنا، وحجّنا، وعمرتنا، بل نستطيع أنْ نهدي إليه ثواب جميع الأعمال الصالحة، حتى إماطة الأذى عن الطريق والكلمة الطيبة...الخ، ونحن بإهداء الثواب سوف لا ينقص من ثوابنا شيئاً، وإنما سيزداد ثوابنا ويضاف إليه ثواب إهداء العمل.
خامساً: نستطيع أنْ نعمل جميع الأعمال الصالحة بنية الانتظار الصحيح أو التمهيد للظهور، بل حتى الخبرة التي نكسبها من خلال أعمالنا الجائزة والمباحة، فضلاً عن المستحبة والواجبة، نستطيع أنْ نجعلها بعنوان التهيؤ للظهور، عسى أنْ يحتاجنا الإمام (عليه السلام) بخبرتنا هذه، فسيخرج الإمام (عليه السلام) بدولة، ودولة الإمام (عليه السلام) فيها السياسي، وفيها العسكري، والطبيب، والمهندس، والمدرس، وفيها النجّار، والحدّاد، والصبّاغ، والسائق.........الخ.
سادساً: هنالك أدعية وأعمال مخصوصة للإمام (عليه السلام)، كدعاء الندبة، ودعاء العهد، وزيارة ياسين، ودعاء تعجيل الفرج... إلى غيرها من الأعمال التي ذكرتها الكتب المختصة، فهي تجدد العهد معه، وتجدد البيعة له، وكذلك إنها من أنواع العلاقات الواردة إلينا بطريق شرعي معتمد.
سابعاً: أنْ نحضر في الأماكن والأزمان التي يحتمل تواجد الإمام فيها، كموسم الحج، أو زيارة الأربعين، أو مسجد السهلة في ليالي الأربعاء، فإنها بلا شك ستكون مباركة، وستكون الأعمال أقرب للقبول، وعسى أنْ نرزق بنظرة شفقة، ونظرة رأفة ننال بها سعادة الدارين.
ثامناً: علينا أنْ نستشعر بأنّ مراجع التقليد همّ نوّاب الإمام (عليه السلام) بحسب الوكالة العامة، وعندما نرجع إليهم ونقلدهم إنما نرجع للإمام عليه السلام، كونه هو الذي أمرنا (عليه السلام) بذلك بقوله: (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم، وأنا حجة الله)[2].
تاسعاً: علينا أنْ نستشعر أنّ أعمالنا تعرض عليه (عليه السلام) اسبوعياً وأنه سينظر لها وسيقلّب ملف ما نقوم به وسيفرح عندما يجد عملاً صالحاً، وسننال بذلك رضاه وثواب إدخال السرور على قلبه، وسيحزنه مالو رأى غير ذلك، معاذ الله.
عاشراً: أنْ يكون (عليه السلام) هو المهنّأ من قبلنا في أفراح أهل البيت (عليهم السلام)، كالولادات، وكبيعة الغدير، وأنه هو المعزّى في المناسبات الحزينة، كعاشوراء، ووفيات الأئمة (عليهم السلام).
المصدر: مجلة بيوت المتقين / العدد (55) ـ الصفحة: 20 - 21.