المقدمة

المقدمة:

البحث عن الحِكمة، ليس من باب التدخل في كشف ما هو غيب، أو معرفة ما ستره الله، حتى يكون في الأمر تدخل في ما اختص به الله تعالى لنفسه من تدبير وحِكمة، وإنما من باب معرفة ما يتصل بالإنسان من قضية الغَيبة، فكما أن الحِكمة من قضية الخلق في ما يتصل بالإنسان هي العبادة، فكذلك نبحث عن الغَيبة في ما يتصل بالإنسان من حِكمة، ومن ثم، لابد أن نسأل عن فكرة الغَيبة ومدى انسجامها مع الحِكمة العامة للإسلام.

المدخل الطبيعي لاكتشاف هذه الحِكمة والاقتراب منها، هو البحث عن سبب الغَيبة؛ لأنه يشكل العامل المباشر في معرفة حيثيات الغَيبة، مع العلم أن معرفة ذلك لا تعني أن تكون هي ذاتها الحِكمة، أو هي السبب في استمرار هذه الغَيبة. ومن ثم، لابد أن نفرق بين السبب وبين الحِكمة، فمثلاً السبب في بناء المدرسة هو المهندس، ولكن الحِكمة من البناء شيء آخر، كما أن خروج آدم(عليه السلام) من الجنة كان بسبب أكله من الشجرة، إلا أن هناك حِكمة في ذلك الخروج كما هو معلوم، وقد تتداخل الحِكمة مع السبب في بعض الأمثلة، إلا أنه لابد من وجود مسافة تفصل بينهما، ورغم ذلك، فإن دراسة الأسباب تصلح لأن تكون مدخلاً لمعرفة الحِكمة.

هذا ولقد كثرت الكتابات قديماً وحديثاً حول الإمام المهدي(عجل الله فرجه الشريف) حتى أنه ما حظيت قضية من قضايا المسلمين بمثل هذا الكم الهائل من الكتابات والروايات التي ما تركت جانباً من جوانب حياته إلا وذكرته باسمه وكنيته وولادته وغَيبته وخروجه في آخر الزمان وعلامات الخروج الدالة عليه وما يجري بعد خروجه وانتصاراته، ولكن وجدنا القليل من الكُتاب الذين يتعرضون لأسباب غَيبته وعللها، أو التكلم عن الفائدة من الغَيبة أومن الإمام (عجل الله فرجه الشريف) في حال غَيبته ومع أن هناك بعض الروايات التي تؤكد أن لغَيبته حِكمة إلهيه لا يعلم بمرادها إلا الله والراسخون في العلم، أو جاء النهي عن السؤال عنها، كما ورد في التوقيع الصادر من الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) إلى إسحاق بن يعقوب: (...وأما علة ما وقع من الغيبة فإن الله عزّ وجلّ يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ..)[1] .. إلى أن قال: فأغلقوا باب السؤال عما لا يعنيكم ولا تتكلفوا علم ما قد كفيتم وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإن ذلك فرجكم)[2]. ونحن طبعاً لا نعترض على الله سبحانه وتعالى والعياذ بالله، فإذا دلت النصوص الصريحة على وجود الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) وغَيبته، وإن لهذه الغَيبة حِكمة إلهيه لا يعلمها إلا الله وأولياؤه المقربون فليس لنا إلا التسليم.

إلا أن هناك أيضاً الكثير من الروايات التي تدل على بعض الأسباب لغَيبته وتتحدث عن الحِكمة منها.

وفي هذا الكتيب نستعرض بعض أسباب الغَيبة للإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) مع بعض الروايات الدالة عليها، ونسأل من الله تعالى التوفيق والسداد.

 


[1] سورة المائدة: آية 101.

[2] الغَيبة للشيخ الطوسي: ص 292.