حكم الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)

ورد في بعض الأخبار أن الإمام الحجة المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) في عصر ظهوره المبارك يحكم بحكم داود (عليه السلام)، وقد يتوهم البعض أنه كيف يحكم الإمام (عجل الله فرجه الشريف) بغير سنة نبينا الأكرم (صلى الله عليه وآله)؟

نقول: صحيح وردت مثل تلك الأخبار، منها ما نقل عن أبي عبيدة أن الإمام الصادق (عليه السلام) قال له في حديث طويل: (يا أبا عبيدة إذا قام قائم آل محمّد (عليه السلام) حكم بحكم داود وسليمان)[1] كذلك وردت روايات تذكر ما هو المراد بحكم داود وسليمان (عليهما السلام) وهو أن داود وسليمان (عليهما السلام) كانا في قضائهما لا يسألان البينة وأن القائم (عجل الله فرجه الشريف) سوف يحكم بمثل حكمها أي لا يسأل البينة وإنما يحكم بعلمه، فقد ورد عن أبان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (لا تذهب الدّنيا حتّى يخرج رجل منّي يحكم بحكومة آل داود ولا يسأل بيّنة، يعطي كلّ نفس حقّها)[2]، والظاهر أن هذا الأمر مختص بباب القضاء.

إن الثابت عندنا أن الحجة (صلوات الله عليه) يتبع سنة جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمة من آبائه (عليهم السلام)، ويحيي ما مات منها، ويخرج ما اندرس من الأحكام المعطلة، كما ورد أنه (عجل الله فرجه الشريف) (يقوم بأمر جديد، وكتاب جديد، وسنة جديدة وقضاء [جديد] على العرب)[3]، وعبر بالسُّنّة الجديدة للسُّنّة التي عطلت واندرست بتعاقب ولاة الظلم والجور.

إذاً هو (عجل الله فرجه الشريف) يعمل ويحكم بالسُّنّة وهي الحجة الشرعية والأحكام الإلهية المتوارثة عند أهل البيت (عليهم السلام)، وفيها الخاص والعام والمقيد والمطلق والناسخ والمنسوخ، وأمور قد لم تظهر للمسلمين لعدم وجود الحاجة إليها، أو لم يعمل بها النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) لمصلحة أو تقية، أو لم يظهر لنا استنباطها، وسوف يبينها لنا الإمام الحجة (عليه السلام) من القرآن والسنة.

وهنا نسأل: هل يجوز للقاضي أن يحكم بما يطابق الواقع، أو ليس له الحق بالحكم بخلاف الحكم الظاهري؟

إن لعلمائنا (قدس سرهم) في مسألة جواز حكم القاضي بعلمه دون البيّنة أقوال فرَّق بعضهم فيها بين الإمام (عليه السلام) والآخرين، قال العلامة المجلسي (قدس سره) في هذا المقام:

(ثم اعلم أن الظاهر من الأخبار أن القائم (عليه السلام) إذا ظهر يحكم بما يعلم في الواقعة لا بالبينة، وأما من تقدمه من الأئمة (عليهم السلام) فقد كانوا يحكمون بالظاهر[4].

ونقل عن الشيخ المفيد : للإمام (عليه السلام) أن يحكم بعلمه كما يحكم بظاهر الشهادات، ومتى عرف من المشهود عليه ضد ما تضمنته الشهادة ابطل بذلك عنه من شهد عليه وحكم فيه بما اعلمه الله تعالى، وقد يجوز عندي أن تغيب عنه بواطن الأمور فيحكم فيها بالظواهر وان كانت على خلاف الحقيقة عند الله تعالى، ويجوز ان يدلّه الله تعالى على الفرق بين الصادقين من الشهود وبين الكاذبين فلا تغيب عنه حقيقة الحال، والأمور في هذا الباب متعلقة بالألطاف والمصالح التي لا يعلمها على كل حال إلا الله عزّوجلّ)[5] .

والخلاصة أن النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) هم وارثين لعلوم الأنبياء السابقين (عليهم السلام) ومنهم داود وسليمان (عليهم السلام)، والحجة (عليه السلام) ورث علوم الأنبياء عن علوم جده (صلى الله عليه وآله) فما موجود عنده (عليه السلام) موجود عند جده (صلى الله عليه وآله) فلا يكون مخالفاً لسنّة جده (صلى الله عليه وآله).

المصدر: مجلة اليقين العدد (45)

 


[1]  شرح الكافي: ج1، ص397.

[2] مستدرك الوسائل، المحدّث النوري: ج17، ص364.

[3] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج52، ص231.

[4] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج26، ص177.  

[5]بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج26، ص177.