التكافل الاجتماعي في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)

لم تنبت فكرة التكافل بلا جذور، ولم تنطلق من فراغ، وإنّما سبقتها ومهدت لها وأسهمت في فاعليتها وديمومتها مجموعة من الأسس والمبادئ العامة، كانت بمثابة البنى التحتية التي عملت على بلورة فكرة التكافل وإرساء قواعدها، وفي طليعة هذه الأسس والمبادئ:

 * مبدأ الأخوّة الإيمانية:

عمل الإسلام على بناء وتدعيم علاقات طيبة بين الناس تقوم على أساس الأخوّة والألفة، وإذا كان علم الاجتماع معنياً أولاً وقبل كل شيء بالظواهر الاجتماعية، فإن ظاهرة الأخوّة التي أوجدها الإسلام بين أفراده تستحق الدراسة والتأمل، فقد كان العرب ـ في الجاهلية ـ على شفا حفرة من نار الخلاف والاختلاف والتمزق والتقاتل، ولكنهم بعد أن ارتضعوا من لبان ثقافة الإسلام أصبحوا أمة متحدة، مرهوبة الجانب تمتلك أسباب التمدّن والرّقي.

فقد أحدثت مبادئ الإسلام وخاصة مبدأ الأخوة انعطافاً اجتماعياً حاداً في أنماط تفكير وسلوك الغالبية من المسلمين، حيث كان الإنسان الجاهلي قبل الإسلام منكفئاً على ذاته، ومتقوقعاً داخل أسوار نفسه، فغدا بفضل الإسلام إنساناً اجتماعياً يشعر بمعاناة إخوته، ويمدّ يد العون لهم، ويشاركهم في مكاره الدهر.

وهذه النقلة الحضارية يشير إليها القرآن بصورة جلّية، في قوله عز من قائل: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا...)[1].

وكان للسُنة النبوية الأثر البالغ في تدعيم وترسيخ مبدأ التكافل من خلال تأكيدها على مبدأ الأخوة وما يستلزمه من التزامات إجتماعية كقضاء حوائج الإخوان وإعانتهم، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (من سعىٰ في حاجة أخيه المؤمنين، فكأنّما عبد الله تسعة آلاف سنة، صائماً نهاره، قائماً ليله)[2].

وقال (صلى الله عليه وآله): (من قضى لأخيه المؤمن حاجةً، كان كمن عبد الله دهره)[3] وقال (صلى الله عليه وآله): (من مشى في عون أخيه ومنفعته، فله ثواب المجاهدين في سبيل الله)[4].

فهنا نجد أن قضاء حوائج الأخوان وخاصة تلك التي لابد منها لاستمرار العيش الكريم يرفعها الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) إلى درجة العبادة العملية التي تستلزم الثواب الأخروي الجزيل.

وكان الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) يحثّ على صون كرامة الأخ المؤمن وعدم إراقة ماء وجهه بعدم تكليفه الطلب عند حاجته، لذلك يدعو إلى المبادرة بقضاء حوائجه بمجرّد الشعور بحاجته إلى المساعدة، وهذه توصية حضارية في غاية الأهمية، قال (صلى الله عليه وآله): (لا يكلّف المؤمن أخاه الطلب إليه إذا علم حاجته)[5].

ونسجت مدرسة أهل البيت (عليه السلام)، على هذا المنوال بأقوال عديدة تعكس حالة التضامن والتكافل التي ترغب في إشاعتها بين أفراد المجتمع، فعن الإمام علي (عليه السلام) قال: (خير الاخوان من لا يحوج إخوانه إلى سواه)[6] وقال (عليه السلام) أيضاً: (خير اخـوانك من واساك)وكان الإمام الصادق(عليه السلام) يوصي بمبدأ الأخوة في مختلف الأحوال والظروف، عن محمد بن مسلم، قال: أتاني رجل من أهل الجبل، فدخلت معه على أبي عبد الله(عليه السلام)، فقال له عند الوداع: أوصني، فقال(عليه السلام): (أوصيك بتقوى الله وبرّ أخيك المسلم، وأحب له ما تحبّ لنفسك، واكره له ما تكره لنفسك، وإن سألك فاعطه... ووازره وأكرمه ولاطفه، فإنّه منك وأنت منه)[7].

ويظهر على ضوء ما تقدم من أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل البيت(عليهم السلام): أن التكافل من أروع أنواع عبادة الله، بل ويضاهي العبادات الأخرىٰ، ويفوقها ثواباً، قال الإمام الباقر(عليه السلام): (... لأن أعّول أهل بيت من المسلمين... أسدّ جوعتهم وأكسو عورتهم، فأكفّ وجوههم عن الناس، أحبّ إليّ من أن أحجّ حجّة وحجّة [وحجّة]، ومثلها ومثلها حتى بلغ عشراً، ومثلها ومثلها حتى بلغ السبعين)[8].

وهناك إشارات عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، على أن قبول الأعمال العبادية متوقف على قضاء حوائج الإخوان المؤمنين، وفي هذا الصدد يقول الإمام الصادق (عليه السلام): (من مشى في حاجة أخيه المؤمن يطلب بذلك ما عند الله حتى تقضى له، كتب الله عزّ وجل له بذلك أجر حجّة وعمرة مبرورتين، وصوم شهرين من أشهر الحرم واعتكافهما في المسجد الحرام، ومن مشى فيها بنيّة ولم تقضى كتب الله له بذلك مثل حجّة مبرورة، فارغبوا في الخير)[9].

«الترغيب والترهيب»

اتّبع الإسلام منهج «الترغيب والترهيب» لأجل دفع الأفراد نحو الاتحاد والتعاون والتكافل، فمن جهة الترغيب نجد أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) تُسهب في إيراد الشواهد على الثواب الجزيل الذي ينتظر كلّ من قضى حوائج إخوانه وتبشّره بالأمن يوم الحساب، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): (من سعى في حاجة أخيه المسلم طلب وجه الله، كتب الله له ألف ألف حسنة....)[10].

وعن الإمام الكاظم (عليه السلام): (إنّ لله عبادا في الأرض يسعون في حوائج الناس، هم الآمنون يوم القيامة...)[11].

ونجد في الرّوايات معطيات إيجابية يجد ثمراتها الإنسان المؤمن في الدنيا قبل الآخرة كزيادة الرزق، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): (مواساة الأخ في الله عزّ وجل تزيد في الرزق)[12].

وفي مقابل ذلك نجد التحذير الكثير لكل من يقصر في حق إخوانه، ولهذا التحذير والإنذار آثار عملية تتمثّل في المحافظة على الجدار الاجتماعي من أي تصدّع، وفي الحدّ من التحولات الاجتماعية التي تخل بقواعد العيش المشترك، وكشاهد على النمط الأخير ـ أي التحذير ـ يقول الإمام الصادق (عليه السلام): (من صار (سار) إلى أخيه المؤمن في حاجته فحجبه، لم يزل في لعنة الله إلى أن حضرته الوفاة)[13].

وعن الإمام الكاظم (عليه السلام): (من قصد إليه رجل من إخوانه مستجيراً به في بعض أحواله، فلم يجره بعد أن يقدر عليه، فقد قطع ولاية الله عزّ وجل)[14].

وهنا نجد أيضاً في الروايات معطيات سلبية لمن أخل بمبدأ الأخوة وما يتطلبه من تكافل وتعاون، فعن الإمام الباقر (عليه السلام): (من بخل بمعونة أخيه المسلم والقيام له في حاجته [إلا] ابتلي بمعونة من يأثم عليه ولا يؤجر)[15].

وعن الإمام الصادق (عليه السلام): (أيّما رجل من شيعتنا أتاه رجل من إخواننا فاستعان به في حاجة فلم يعنه وهو يقدر، ابتلاه الله عزّوجل بأن يقضي حوائج عدوّ من أعدائنا يعذّبه الله عليه يوم القيامة)[16].

وفــي الوقـت الذي تحـث تعـاليم آل البيت (عليهم السلام) على التكافل المادي، نجد أنهم يركزون كذلك على التكافل الأدبي مع الفقراء والمساكين، ومن الشواهد على ذلك، قول الرسول (صلى الله عليه وآله): (من استذلّ مؤمناً أو مؤمنة أو حقّره لفقره وقلّة ذات يده، شهره الله تعالى يوم القيامة ثمّ يفضحه)[17]، وفي هذا الخصوص يقول الإمام الصادق (عليه السلام): (من حقّر مؤمنا لقلّة ماله حقّره الله، فلم يزل عند الله محقورا حتى يتوب ممّا صنع)[18].

ويقول (عليه السلام) أيضاً: (من حقّر مؤمناً مسكيناً أو غير مسكين، لم يزل الله له حاقراً ماقتاً حتى يرجع عن محقّرته إيّاه)[19]

وهكذا نجد أن الإسلام يُضفي على توجهاته الاجتماعية صبغة دينية تأخذ شكل الوعد والبشارة أو الوعيد والإنذار.

الأمر الآخر هنا أن آل البيت (عليهم السلام): يضفــون علــى هــذه التـوجهــات والارشادات والمناشدات صبغة حقوقية لتكون ألزم.

عن معلى بن خنيس، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما حق المؤمن على المؤمن؟، قال (عليه السلام): (سبع حقوق واجبات، ما منها حق إلا واجب عليه، إن خالفه خرج من ولاية الله، وترك طاعته، ولم يكن لله فيه نصيب). قال: قلت حدثني ما هن؟ فقال (عليه السلام): (ويحك يا معلى، إني عليك شفيق، أخشى أن تضيع ولا تحفظ، وأن تعلم ولا تعمل). قال: قلت: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. قال (عليه السلام): (أيسر حق منها أن تحب له ما تحب لنفسك، وتكره له ما تكره لنفسك، والحق الثاني أن تمشي في حاجته وتتبع رضاه ولا تخالف قوله، والحق الثالث أن تصله بنفسك ومالك ويديك ورجليك ولسانك، والحق الرابع أن تكون عينه ودليله ومرآته وقميصه، والحق الخامس أن لا تشبع ويجوع ولا تلبس ويعرى ولا تروى ويظمأ....)[20].

مثالية عالية: عمل أهل البيت (عليهم السلام) على صياغة عقد اجتماعي ضمني يرتكز على قاعدة اجتماعية عريضة تقوم على مبدأ الأخوّة، فبدون ترسيخ هذا المبدأ وإشاعته يغدو البناء الاجتماعي واهناً كالبناء على كثيب من الرَّمل.  

من أجل ذلك عمل أهل البيت (عليهم السلام): بدأب على تهيئة الأجواء لترسيخ مبدأ الإخاء لكونه يسهم بصورة ضمنية في مبدأ التكافل، ونتيجة لذلك أشاعوا بين شيعتهم هذا المبدأ بحيث أصبح المائز أو العلامة التي تُميّز شيعتهم عن غيرهم، فهو ـ إذن ـ أحد مقاييس الاختبار التي تميز أخيار الشيعة عن الآخرين، وفي هذا الخصوص يقول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): (اختبروا شيعتي بخصلتين: المحافظة على أوقات الصلاة، والمواساة لإخوانهم بالمال، فإن لم تكونا فاعزب ثمّ أعزب)[21].

ونفس المقياس يستخدمه الإمام الصادق (عليه السلام) وينصح شيعته بالتزامه، قال (عليه السلام): (اختبروا اخوانكم بخصلتين فإن كانتا فيهم وإلاّ فاعزب ثمّ اعزب ثم اعزب، محافظة على الصلوات في مواقيتها، والبرّ بالإخوان في العسر واليسر)[22].

أراد أئمتنا (عليهم السلام): ـ بذلك ـ من شيعتهم أن يرتقوا إلى مستوى إيماني رفيع يقرن العبادة والمحافظة عليها بالمعاملة الحسنة من أجل بناء محيط اجتماعي سليم، وبذلك يظهر بأن الإيمان الكامل لا يتحقق على نحو مثالي إلا بالتكافل، وكلما تكاتف الفرد المسلم مع إخوانه وتعاون معهم، كلما ارتقى إلى مدارج إيمانية عالية.

لقد سبق أئمتنا (عليهم السلام): علماء الاجتماع في الدعوة إلى تقوية الأواصر الاجتماعية لدى الناس، وقد ثبت أن ذلك يؤدي إلى ارتقاء الإنسان، لذلك حثّوا شيعتهم على تحقيق أعلى درجة من الاندماج والتعاون، عن محمد بن عجلان، قال: كنتُ عند أبي عبد الله (عليه السلام)، فدخل رجل فسلّم، فسأله (عليه السلام): (كيف من خلّفت من اخوانك؟ قال: فأحسن الثناء وزكى وأطرى، فقال له (عليه السلام): كيف عيادة أغنيائهم على فقرائهم؟ فقال: قليلة، قال (عليه السلام): وكيف مشاهدة أغنيائهم لفقرائهم؟ قال: قليلة، قال: فكيف صلة أغنيائهم لفقرائهم في ذات أيديهم؟ فقال: إنّك لتذكر أخلاقا قلّما هي فيمن عندنا، قال (عليه السلام): (فكيف تزعم هؤلاء أنّهم شيعة)[23].

وعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَر الباقرٍ (عليه السلام): (أيَجِيءُ أَحَدُكُمْ إِلَى أَخِيه فَيُدْخِلُ يَدَه فِي كِيسِه فَيَأْخُذُ حَاجَتَه فَلَا يَدْفَعُه: فَقُلْتُ: مَا أَعْرِفُ ذَلِكَ فِينَا، فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): فَلَا شَيْءَ إِذاً، قُلْتُ: فَالْهَلَاكُ إِذاً! فَقَالَ: إِنَّ الْقَوْمَ لَمْ يُعْطَوْا أَحْلَامَهُمْ بَعْدُ)[24].

أي أنكم لن ترتقوا إلى المستوى الاجتماعي المطلوب الذي تغيب فيه الأنا (الذات) وتسود فيه الرّوح الجماعية التعاونية، إلا بإزالة الحواجز السميكة التي تحول دون ذلك كالأنانية والأثرة. بطبيعة الحال أراد الإمام (عليه السلام) أن يرشدهم إلى الوصول إلى سقف تعاملي أعلى يتناسب مع طموحات أهل العصمة (عليهم السلام)، وإلا فإنّ الوصول إلى مستوى الأئمة في درجة التكافل دونه خرط القتاد.

لقد ترجم أهل البيت (عليهم السلام): أقوالهم إلى سلوك سويّ، أصبح قدوة حسنة لمن أراد الاقتداء بهم، فعلى سبيل المثال لا الحصر، كان الإمام السجاد (عليه السلام)، حريصاً على التكافل مع الآخرين وإن كانوا من أعدائه، قال الواقدي: كان هشام بن إسماعيل يؤذي علي بن الحسين في إمارته، فلما عزل أمر به الوليد أن يوقف للناس، فقال: ما أخاف إلا من علي بن الحسين وقد وقف عند دار مروان وكان عليّ قد تقدم إلى خاصته ألاّ يتعرض له أحد منكم بكلمة، فلما مرّ ناداه هشام: الله أعلم حيث يجعل رسالته.

وزاد ابن فياض في الرواية في كتابه: (أن زين العابدين أنفذ إليه وقال: أنظر إلى ما أعجزك من مال تؤخذ به، فعندنا ما يسعك، فطب نفساً منّا ومن كل من يطيعنا. فنادى هشام: الله أعلم حيث يجعل رسالته)[25].

إن الأئمة (عليهم السلام) يتحركون بدائرة واسعة من المبادئ، يريدون منّا أن نقتدي بهم حسب المكنة والاستطاعة، وإلا فمن منا يُسرع إلى قضاء حوائج عدوّه؟!

هذه القيم تسهم إسهاماً كبيراً في دفع الناس نحو التكافل بعيداً عن حسابات الربح والخسارة، وهي قيم تسير في خط متوازٍ مع مبدأ الإخوة وباقي المبادئ والقيم الأخرى التي توقظ في نفوس الناس العاطفة نحو بعضهم البعض، وتحقيق أعلى درجة من المشاركة والتعاون فيما بينهم، وفي هذا السياق يقول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): (من لم يرحم الناس منعه الله رحمته)[26].

وعنه (عليه السلام) أنّ (رحمة الضعفاء تستنزل الرَّحمة)[27]. وفي قول ثالث: (عجبت لمن يرجو فضل من فوقه، كيف لا يرحم من دونه)[28].

وغنيّ عن البيان أن الرَّحمة هنا عامة، ومن أجلى مصاديقها مدّ يد العون للضعفاء وغير القادرين مادياً كالمساكين، وبذلك تكون الدعوة إلى التراحم تصب في مجرى التكافل بطبيعة الحال، ومن مصاديق ذلك قول الإمام الصادق (عليه السلام): (إنّي لأرحم ثلاثة، وحقّ لهم أن يُرحموا: عزيزٌ أصابته مذلّة بعد العز، وغنيّ أصابته حاجة بعد الغنى، وعالم يستخفّ به أهله والجهلة)[29].

فالإمام (عليه السلام) هنا يذهب إلى أبعد من التكافل المادي، كما في حالة الغني الذي أصابته الفاقة، فيرى ضرورة التكافل المعنوي مع العزيز الذي ألمّت به الذلّة، والعالِم الذي يستخف به قرابته أو الجهلة المحيطون به. فهذا الحديث يفتح لنا أفقاً واسعاً حتى لا تضيق عدسة الرؤية لدينا فننظر فقط إلى التكافل في شكله المادي البحت، بل علينا أن نولي عناية بالجانب المعنوي من التكافل، ويطلق عليه بعض الباحثين تسمية «التكافل الأدبي»، فهؤلاء يرون أن مفهوم التكافل الاجتماعي في الإسلام واسع، لا يقتصر على الجانب المادي، بل يشمل التكافل الأدبي: وهو أن يشعر الإنسان باحترام الآخرين وحبهم له.
من صور التكافل الاجتماعي التعاون والإحسان:

في الإسلام رصيد معرفي ضخم يدعو إلى قيم التعاون والإحسان في أكثر من اتجاه وعلى أكثر من صعيد، الأمر الذي يرسي أساس التكافل ويعمّق من مساره، فالقرآن وهو المصدر المعرفي الأساسي يحثّ في آيات عديدة على التعاون، يقول في هذا الصدد: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ)[30]. وقال الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): (من مشى في عون أخيه ومنفعته، فله ثواب المجاهدين في سبيل الله)[31].

تجدر الإشارة إلى أن الإنسان خلق وحده ضعيفاً لا يقدر على شيء إلاّ إذا توفرت له ظروف التعاون مع غيره،
يروي إسحاق بن عمّار أنّه سمع الإمام الصادق (عليه السلام) يقول: (يأتي على الناس زمان من سأل الناس عاش، ومن سكت مات، قلت: فما أصنع إنّ أدركت ذلك الزمان؟ قال: تعينهم بما عندك، فإن لم تجد فبجاهك)[32].

فالدعوة إلى التعاون ـ إذن ـ لازمة مهما تغير الزمان، وتعاقبت الأجيال، وتغيرت العادات والتقاليد واختلفت الظروف.

أما الإحسان فهو قيمة عليا تؤدي إلى تنمية روح التكافل، وتطلق الفرد من عقال الأنا أو (الذات) إلى مدارات اجتماعية رحبة، وتجعله متضامناً مع إخوته وأبناء جنسه، وحقيقة الإحسان: هي التطوع بأعمال الخير التي لم يلزم بها الشارع المقدس.

إن الإنسان المحسن هو الذي يمارس العطاء المالي، أو يبذل جهوداً إضافية في خدمة الناس، والقرآن يحثّ على ذلك بقوله: (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ)[33].

فنجد العطاء هنا مقروناً بالإحسان، ونجد دائرة القرابة هي الأقرب من حيث الاستحقاق. يقول الإمام علي (عليه السلام): (رأس الإيمان الإحسان إلى الناس)[34].

التعاون والإحسـان

في الإسلام رصيد معرفي ضخم يدعو إلى قيم التعاون والإحسان في أكثر من اتجاه وعلى أكثر من صعيد، الأمر الذي يرسي أساس التكافل ويعمّق من مساره، فالقرآن الكريم وهو المصدر المعرفي الأساسي يحثّ في آيات عديدة على التعاون، يقول في هذا الصدد: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ)[35]. وقال الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): (من مشى في عون أخيه ومنفعته، فله ثواب المجاهدين في سبيل الله)[36].

تجدر الإشارة إلى أن الإنسان خلق وحده ضعيفاً لا يقدر على شيء إلاّ إذا توفرت له ظروف التعاون مع غيره، والقليل إلى القليل كثير، والضعيف إذا ساند الضعيف قوى، ومن هنا تظل الحاجة إلى التعاون ماسة عبر الزمن.

يروي إسحاق بن عمّار أنّه سمع الإمام الصادق (عليه السلام) يقول: (يأتي على الناس زمان من سأل الناس عاش، ومن سكت مات، قلت: فما أصنع إنّ أدركت ذلك الزمان؟ قال (عليه السلام): تعينهم بما عندك، فإن لم تجد فبجاهك)[37]. فالدعوة إلى التعاون ـ إذن ـ لازمة مهما تغير الزمان، وتعاقبت الأجيال، وتغيرت العادات والتقاليد واختلفت الظروف.
أما الإحسان فهو قيمة عليا تؤدي إلى تنمية روح التكافل، وتطلق الفرد من عقال الأنا أو (الذات) إلى مدارات اجتماعية رحبة، وتجعله متضامناً مع إخوته وأبناء جنسه. وحقيقة الإحسان: هي التطوع بأعمال الخير التي لم يلزم بها الشارع المقدس.

إن الإنسان المحسن هو الذي يمارس العطاء المالي، أو يبذل جهوداً إضافية في خدمة الناس، والقرآن يحثّ على ذلك بقوله: (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ)[38]. فنجد العطاء هنا مقروناً بالإحسان، ونجد دائرة القرابة هي الأقرب من حيث الاستحقاق. يقول الإمام علي (عليه السلام): (رأس الإيمان الإحسان إلى الناس)[39].

وعنه (عليه السلام): (نِعمَ زاد المعاد الإحسان إلى العباد)[40].

وكان آل البيت (عليه السلام): يحثون أتباعهم على الإحسان بقدر الاستطاعة انطلاقا من حرصهم الدائم على توفير الأجواء المعيشية الكريمة بعيداً عن مبدأ الرّبح والخسارة الذي يشكل حجر الزاوية في الحضارة المادية المعاصرة.

ومن الشواهد ذات الدلالة على تنمية أهل البيت (عليه السلام): للشعور الاجتماعي تجاه المؤمنين، ما قاله الإمام الصادق (عليه السلام): (لأن أطعم مؤمناً محتاجاً أحبّ إليّ من أن أزوره، ولأن أزوره أحبّ إليّ من أن أعتق عشر رقاب)[41].

إذن هنالك أولوية وتقدم رتبي لبعض أعمال الإحسان على بعض، وإنّ لكلِّ عمل خيري ثوابه الخاص به حسب أهميته وبمقدار ما يدخله من نفع أو خدمة على المؤمنين، والمثير في الأمر هنا أنّ الإمام الصادق (عليه السلام) ينظر إلى قضية الإحسان من منظار أعمق وأرحب، فهو يرى أنّ فضل المحتاجين عند الإحسان إليهم يكون أعظم من فضل المحسنين أنفسهم. تمعّن جيداً في المحاورة التالية:

عن حسين بن نعيم الصحّاف قال: قال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): (أتحبّ إخوانك يا حسين؟ قلت: نعم، قال: تنفع فقراءهم؟ قلت: نعم، قال: أما إنه يحقّ عليك أن تحبّ من يحبّ الله، أما والله لا تنفع منهم أحدا حتى تحبه. أتدعوهم إلى منزلك؟ قلت: نعم، ما آكل إلاّ ومعي منهم الرجلان والثلاثة والأقلّ والأكثر، فقال أبو عبد الله: أما إنّ فضلهم عليك أعظم من فضلك عليهم، فقلت: أطعمهم طعامي وأوطئهم رحلي ويكون فضلهم عليّ أعظم ؟! قال: نعم، إنّهم إذا دخلوا منزلك دخلوا بمغفرتك ومغفرة عيالك، وإذا خرجوا من منزلك خرجوا بذنوبك وذنوب عيالك)[42].

هكذا أراد الإسلام العظيم أن يتّخذ المسلمون ـ أفراداً وجماعات ـ منهجاً جديداً تجاه مسألة التكافل، يسوده الشعور بأداء الواجب، لكي تتحرّك علاقاتهم في المجتمع الإسلامي في إطار يفتح فيه مجتمعهم نافذة واسعة للمحرومين من أبنائه ليطلّوا من خلالها على الحياة ويسهموا في بنائها؛ وعندئذ سينطلق الكلّ في خدمة القوّة الاجتماعية التي تحمي للمجتمع الإسلامي حياته وتساعده على نموّه وازدهاره، وإلاّ سادته الأنانية الجشعة حتى يفقد توازنه الاجتماعي وينتهي به الأمر إلى ضعفه وتدهوره لفقده عنصر التماسك المطلوب.

والحمد لله رب العالمين.

 


[1] سورة آل عمران: آية 103.

[2] بحار الأنوار للمجلسي: ج71، ص315.

[3] الأمالي للشيخ الطوسي: ص481.

[4] ثواب الأعمال للشيخ الصدوق: ص288.

[5] الخصال للشيخ الصدوق: ص614.

[6] عيون الحكم والمواعظ للواسطي: ص238.

[7] الأمالي للشيخ الطوسي: ص97.

[8] الكافي للشيخ الكليني: ج2،ص195.

[9] الكافي: ج2، ص195.

[10] الكافي للشيخ الكليني: ج٢، ص197.

[11] الكافي للشيخ الكليني: ج2، ص197.

[12] بحار الأنوار للمجلسي: ج71، ص395.

[13] الاختصاص للشيخ المفيد: ص31.

[14] الكافي للشيخ الكليني: ج2، ص367.

[15] الكافي للشيخ الكليني: ج2، ص366.

[16] ثواب الأعمال الشيخ الصدوق: ص249.

[17] مشكاة الأنوار للطبرسي: ص ٢٢٨.

[18] مشكاة الأنوار: ص120.

[19] الكافي للشيخ الكليني: ج2، ص351.

[20] الأمالي للشيخ الطوسي: ص ٩٨.

[21] شجرة طوبى، للحائري: ج1، ص6.

[22] الكافي للشيخ الكليني: ج2، ص672.

[23] الكافي للشيخ الكليني: ج2، ص173.

[24] الكافي للشيخ الكليني: ج2، ص174.

[25] مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب: ج3، ص301.

[26] عيون الحكم والمواعظ، الليثي الواسطي: ص ٤٢٨.

[27] عيون الحكم والمواعظ: ص٢٧٠.

[28] عيون الحكم والمواعظ: ص331.

[29] من لا يحضره الفقيه للصدوق: ج ٤، ص٣٩٤.

[30] سورة المائدة: آية 2.

[31] ثواب الأعمال للشيخ الصدوق: ص٢٨٨.

[32] الكافي للشيخ الكليني: ج4، ص٤٦.

[33] سورة النحل: آية90.

[34] عيون الحكم والمواعظ: ص٢٦٤.

[35] سورة المائدة: آية2.

[36] ثواب الأعمال للشيخ الصدوق: ص٢٨٨.

[37] الكافي للكليني: ج4، ص٤٦.

[38] سورة النحل: آية90.

[39] عيون الحكم والمواعظ: ص٢٦٤.

[40] عيون الحكم والمواعظ: ص٤٩٤.

[41] الكافي للكليني: ج2، ص203.

[42] الكافي للكليني: ج2، ص201 و202.