من القضايا الواضحة التي لا تحتاج إلى إقامة البراهين بحسب المبتنيات الشيعية هي أن ختم النبوة بدون نصب الإِمام المعصوم وتعيينه مخالف للحكمة الإلهية، وأن إكمال الدين الإسلامي العالمي والخالد مرتبط بتعيين الخلفاء الصالحين بعد النبي(صلى الله عليه وآله)؛ لأن استمرارية الدين لا تتحقق إلا بأولئك الخلفاء المعصومين وبصلاحيات واسعة ماعدا النبوة والرسالة، وهذا ما يمكن استفادته من الآية القرآنية الكريمة: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا)[1].
اتفق المفسرون جميعاً على نزولها قبل وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله) بشهور في حجة الوداع، وبعد أن تشير الآية إلى يأس الكفار من إلحاق الضرر بالإسلام: (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ)[2]، تؤكد إكمال الدين في ذلك اليوم، وإتمام النعمة، ومع ملاحظة الكثير من الروايات الواردة في شأن نزول هذه الآية، يتضح جليا أن (الإكمال والإتمام) الذي اقترن بيأس الكفار من الحاق الضرر بالإسلام، إنما تحقق بنصب خليفة للنبي(صلى الله عليه وآله) من قبل الله تعالى، وذلك لأن أعداء الإسلام كانوا يتوقعون بقاء الإسلام بدون قائد بعد وفاة رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وخاصة مع عدم وجود الأولاد الذكور للرسول(صلى الله عليه وآله)، وبذلك يكون الإسلام معرّضاً للضعف والزَّوال، بَيْدَ أَن الإسلام قد بلغ كماله بتعيين الخليفة للنبي(صلى الله عليه وآله)، وتمت النعمة الإلهية، وانهارت أطماع الكافرين وآمالهم.
وقد تم هذا التعيين حين رجوع النبي(صلى الله عليه وآله) من حجة الوداع، حينما جمع النبي(صلى الله عليه وآله) حجاج بيت الله كلهم في موضع يقال له (غدير خم)، وخلال إلقائه خطبته الطويلة عليهم، سألهم: «أَلَسْتُ أَوْلَى بِكُم مِنْ أَنْفُسِكُم»، قالوا: بلى، ثم أَخذ بكتف عليٍّ(عليه السلام) ورفعه أَمام النّاس وقال: «مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَليٌّ مَوْلَاهُ»، وبهذا أَثبت للإِمام(عليه السلام) الولاية الإِلهية، بعدها بايعه جميع الحاضرين، ومنهم عمر بن الخطاب، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «مَنْ صَامَ يَوْمَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ كَتَبَ اللهُ لَهُ صِيَامَ سِتِّينَ شَهْراً، وَ هُوَ يَوْمُ غَدِيرِ خُمٍّ لَمَّا أَخَذَ النَّبِيُّ(صلى الله عليه وآله) بِيَدِ عَلِيٍّ فَقَالَ: أَ لَسْتُ وَلِيَّ الْمُؤْمِنِينَ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ»، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: بَخْ بَخْ لَكَ يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ أَصْبَحْتَ مَوْلَايَ وَمَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ، وَأَنْزَلَ اللهُ: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُ)[3].
قال إبراهيم الحمويي الجويني في فرائد السمطين: (...فَقَامَ سَلْمَانُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله(صلى الله عليه وآله) وَلَاءٌ كَمَاذَا؟ قَالَ(صلى الله عليه وآله): وَلَاءٌ كَوَلَائِي، مَنْ كُنْتُ أَوْلَى بِهِ مِنْ نَفْسِهِ فَعَلِيٌّ أَوْلَى بِهِ مِنْ نَفْسِهِ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دينَكُمْ وأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي ورَضيتُ لَكُمُ اْلإِسْلامَ دينًا)، فَكَبَّرَ رَسُولُ الله(صلى الله عليه وآله)، وَقَالَ: اللهُ أَكْبَرُ تَمَامُ نُبُوَّتِي وَتَمَامُ دِينِ الله وَلَايَةُ عَلِيٍّ بَعْدِي، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَقَالَا: يَا رَسُولَ الله هَذِهِ الْآيَاتُ خَاصَّةٌ فِي عَلِيٍّ، قَالَ(صلى الله عليه وآله): بَلَى، فِيهِ وَفِي أَوْصِيَائِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، قَالَا: يَا رَسُولَ الله بَيِّنْهُمْ لَنَا، قَالَ(صلى الله عليه وآله): أَخِي وَوَزِيرِي، وَوَصِيِّي، وَخَلِيفَتِي فِي أُمَّتِي، وَوَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ بَعْدِي، ثُمَّ ابْنِيَ الحَسَنُ، ثُمَّ ابْنِيَ الحُسَيْنُ، ثُمَّ تِسْعَةٌ مِنْ وُلْدِ الحُسَيْنِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، الْقُرْآنُ مَعَهُمْ وَهُمْ مَعَ الْقُرْآنِ لَا يُفَارِقُونَهُ وَلَا يُفَارِقُهُمْ حَتَّى يَرِدُوا عَلَيَّ الحَوْضَ)[4].
ويستفاد من روايات عديدة أن النبي(صلى الله عليه وآله) كان مأموراً قبل ذلك بالإِعلان الرسمي عن إمامة أمير المؤمنين(عليه السلام) على الرأي العام، وقد مهّد(صلى الله عليه وآله) لذلك الإعلان من سنين عديدة، لكنه(صلى الله عليه وآله) كان يبحث عن فرصة مناسبة، تتوفر فيها ظروف الإعلان عن مثل هذا التعيين، لئلا يفسر تعيينه لأمير(عليه السلام) بأنه رأي شخصي، فجاءت تلك اللحظة التاريخية التي أعلن فيه(صلى الله عليه وآله) لجميع العالمين عمن سيأخذ بأيدي الناس إلى العدل والرحمة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)[5]، وبهذا الإعلان تمت الحجة على جميع الصحابة والمسلمين، وكان يجب عليهم أن يُسلّموا الخلافة إلى صاحبها الشرعي، لكن الذي حدث بعد رحيل الخاتم (صلى الله عليه وآله) هو عكس ما أرادته السماء، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
مجلة اليقين العدد (41)