نموذج مشرّف في الجهاد والشهادة
اسمه وكنيته ونسبه:
أبو سليمان، زيد بن صوحان بن حجر العبدي الكوفي، ويرجع نسبه إلى قبيلة عبد القيس، وهي من أكبر القبائل التي استوطنت البحرين.
ولادته:
لم تُحدّد لنا المصادر تاريخ ولادته ومكانها، إلّا أنّه من أعلام القرن الأوّل الهجري، ومن المحتمل أنّه ولد في الكوفة باعتباره كوفياً.
صحبته:
كان(رضي الله عنه) من أصحاب الإمام علي(عليه السلام) الأوفياء، وكان لسانًا صادقاً مدافعاً عن الحق، كما كان مدافعاً بنفسه عن الإمام(عليه السلام)، إذ كان فارساً شجاعاً، وصاحب راية أمير المؤمنين(عليه السلام) في حرب الجمل.
من أقوال النبي(صلى الله عليه وآله) والأئمّة(عليهم السلام) فيه:
1ـ روي عن النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) قوله: (زيد وما زيد؟ يسبقه بعض جسده إلى الجنة ثم يتبعه سائر جسده إلى الجنة) [1].
2- وعنه(صلى الله عليه وآله): (مَن سرّه أن ينظر إلى رجل سبقه بعض أعضائه إلى الجنة فلينظر إلى زيد بن صوحان)[2].
3 ـ قال الإمام الباقر(عليه السلام): (شهد مع علي بن أبي طالب(عليه السلام) من التابعين ثلاثة نفر بصفّين شهد لهم رسول الله(صلى الله عليه وآله) بالجنّة ولم يرهم: أويس القَرني وزيد بن صوحان العبدي وجُندب الخير الأزدي رحمة الله عليهم)[3].
4 ـ قال الإمام الصادق(عليه السلام): (لمّا صُرع زيد بن صوحان رحمة الله عليه يوم الجمل، جاء أمير المؤمنين(عليه السلام) حتّى جلس عند رأسه، فقال: رحمك الله يا زيد، قد كنت خفيف المؤنة عظيم المعونة، قال: فرفع زيد رأسه إليه وقال: وأنت فجزاك الله خيراً يا أمير المؤمنين، فوالله ما علمتك إلّا بالله عليماً، وفي أُمّ الكتاب عليّاً حكيماً، وأنّ الله في صدرك لعظيم، والله ما قاتلت معك على جهالة، ولكنّي سمعت أُمّ سلمة زوج النبي(صلى الله عليه وآله) تقول: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول: مَن كنت مولاه فعلي مولاه، اللّهم وال مَن والاه، وعاد مَن عاداه، وانصر مَن نصره، واخذل مَن خذله، فكرهت والله أن اخذلك فيخذلني الله)[4] .
أقوال علمائنا في حقه:
قال الشيخ الطوسي(قدس سره): (وكان من الأبدال)[5].
وقال السيّد الخوئي(قدس سره): (يكفي في جلالة الرجل وعظمته مضافاً إلى شهادته بين يدي أمير المؤمنين(عليه السلام)، شهادة الشيخ بأنّه من الأبدال)[6] .
والأبدال: هم الأولياء والعُبّاد، الواحد بِدْل، سُمّوا بذلك لأنّهم كلّما مات واحد منهم أُبدل بآخر.
شرف العشيرة:
وقد ضربت أسرة آل صوحان مثلاً رائعاً في التفاني لإعزاز الإسلام والدفاع عنه بالكلمة وبالنفس، فنالوا أعلى مراتب الشرف وحققوا أعلى درجات النصرة.
ومن أقوال الرسول(صلى الله عليه وآله) في عبد القيس عشيرة آل صوحان، أنه قال(صلى الله عليه وآله) عند قرب وصولهم إلى وفادته لمبايعته بالإسلام: (سيطلع عليكم من ها هنا رَكْب هم خير أهل المشرق)، وقال(صلى الله عليه وآله) عند قدومهم: (مرحباً بالقوم غير خزايا ولا ندامى) ودعا لهم قائلاً: (اللَّهم اغفر لعبد القيس)، وأوصى الأنصار بهم فقال: (يا معشر الأنصار، أكرموا اخوانكم فإنهم أشبه الناس بكم في الإسلام، أسلموا طائعين غير مكرهين ولا موتورين)[7] .
ومن هذا الوسط كان أبناء صوحان وعلى رأسهم زيد وأخوه صعصعة.
صفاته:
وصف زيداً أخوه صعصعة، لما قال له ابن عباس: فأين أخواك منك زيد وعبد الله، صفهما لأعرف ورثكم، قال: أما زيد فكما قال أخو غنيّ:
فتى لا يبالي أن يكون بوجهه |
|
إذا نال خِلّان الكرام شحوب |
إذا ما تراءاه الرجال تحفظوا |
|
فلم ينطقوا العوراء وهو قريب |
حليف الندى يدعو الندى فيجيبَه |
|
إليه ويدعوه الندى فيجيب |
يبيت الندى يا أم عمرو ضجيعه إذا |
|
لم يكن في المنقيات حلوب |
كأن بيوت الحيّ ما لم يكن بها |
|
بسائس ما يلفى بهن غريب |
(كان والله يا ابن عباس عظيم المروءة، شريف الأخوّة، جليل الخطر، بعيد الأثر، كميش العروة، أليف البدوة، سليم جوانح الصدر، قليل وساوس الدهر، ذاكر الله طرفي النهار وزلفي الليل، الجوع والشبع عنده سيان، لا ينافس في الدنيا وأقلّ أصحابه من ينافس فيها، يطيل السكوت، ويحفظ الكلام) فقال ابن عباس: ما ظنك برجل من أهل الجنة رحم الله زيداً )[8].
زيد يسأل أمير المؤمنين(عليه السلام):
كان أصحاب الإمام علي(عليه السلام) خَير طلّاب في مدرسة الفكر والأخلاق, فقد كانوا يسألونه ويستفتونه، فقد روي أن زيد بن صوحان قام وقال للإمام علي(عليه السلام): ( يا أمير المؤمنين أيّ سلطان أغلب وأقوى؟ قال(عليه السلام): الهوى، قال: فأيّ ذل أذل؟ قال(عليه السلام): الحرص على الدنيا، قال: فأيّ فقر أشد؟ قال(عليه السلام): الكفر بعد الإيمان، قال: فأيّ دعوة أضل؟ قال(عليه السلام): الداعي بما لا يكون، قال: فأيّ عمل أفضل؟ قال(عليه السلام): التقوى، قال: فأيّ عمل أنجح؟ قال(عليه السلام): طلب ما عند الله، قال: فأيّ المصائب أشد؟ قال(عليه السلام): المصيبة في الدين، قال: فأيّ الأعمال أحب إلى الله عز وجل؟ قال(عليه السلام): انتظار الفرج...)[9].
جوابه على كتاب عائشة:
قال ابن أبي الحديد المعتزلي: (لمّا نزل علي(عليه السلام) بالبصرة، كتبت عائشة إلى زيد بن صوحان العبدي: من عائشة زوج النبي(صلى الله عليه وآله) إلى ابنها الخالص زيد بن صوحان، أمّا بعد، فأقم في بيتك، وخذّل الناس عن علي، وليبلغني عنك ما أحب، فإنّك أوثق أهلي عندي، والسلام.
فكتب إليها: من زيد بن صوحان إلى عائشة بنت أبي بكر، أمّا بعد، فإنّ الله أمركِ بأمر وأمرنا بأمر، أمركِ أن تقرّي في بيتك، وأمرنا أن نجاهد، وقد أتاني كتابك، فأمرتني أن أصنع خلاف ما أمرني الله، فأكون قد صنعتُ ما أمركِ الله به، وصنعت ما أمرني الله به، فأمرُكِ عندي غير مطاع، وكتابُك غير مجاب، والسلام[10]. ومن جوابه هذا يُعرف مدى تدينه وبصيرته في أمر دينه، فلم تنطل عليه الشبهات ولا أخذته الأهواء، ولم يداهن على الحق، ولم تأخذه في الله لومة لائم.
شهادته:
استُشهد زيد (رضوان الله عليه) في معركة الجمل سنة 36 هـ، وهو يساند الحق، وقد تحققت في ذلك نبوءة النبيّ(صلى الله عليه وآله) فيه إذ قُطعت يده في واقعة جَلُولاء، ولحق جسده بيده يوم الجمل, ودُفن في أرض المعركة. وكان رحمه الله حامل راية الجهاد، وإخوانه ممن يتهافت لنصرة أمير المؤمنين(عليه السلام)، فلما ضَرَبَ عمرو بن يثري الظبي زيداً وسقط صريعاً سارع أخوه صعصعة وحمل عنه الراية، وخاطبه الإمام علي(عليه السلام) عندما جلس عند رأسه، قائلاً: (رَحِمَك الله يا زيد، قَد كنتَ خَفيفَ المَؤُونة، عَظيم المعونة..)[11].
أما مرقده ففي البصرة في قرية الزيت والتي تعرف بـ (كوت الزيت) التابعة إلى ناحية السيبة ضمن قضاء أبي الخصيب.
مجلة بيوت المتقين العدد (8)
[1] الخرائج والجرائح الراوندي: ج1، ص66.
[2] كنز العمال المتقي الهندي: ج11، ص685.
[3] الاختصاص الشيخ المفيد: ص82.
[4] الاختصاص الشيخ المفيد: ص79.
[5] الخلاف للطوسي: ج2,ص268.
[6] معجم رجال الحديث السيد الخوئي: ج8, ص355.
[7] كنز العمال المتقي الهندي: ج12، ص64.
[8] مروج الذهب المسعودي: ج3، ص 45.
[9] الأمالي للصدوق: ص435.
[10] شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد: ج6، ص227، الخطبة79.
[11] الاختصاص الشيخ المفيد: ص79.