الفصل الحادي عشر : في السلف

ويقال له: (السَّلَم) أيضاً، وهو ابتياع كلّيّ مؤجّل بثمن حالٍّ - عكس النسيئة - ويقال للمشتري: (المسلِّم) بكسر اللام وللبائع (المسلَّم إليه) وللثمن (المسلَّم) وللمبيع (المسلَّم فيه) بفتح اللام في الجميع.

مسألة 262: يصحّ في السلف صدور الإيجاب من كلّ واحد من البائع والمشتري وصدور القبول من الآخر، فالإيجاب من البائع بلفظ البيع وأشباهه بأن يقول مثلاً : (بعتك طُنّاً من الحنطة بصفة كذا إلى أجل كذا بثمن كذا) فيقول المشتري: (قبلت) أو (اشتريت)، وأمّا الإيجاب من المشتري فهو بلفظ (أسلمت) أو (أسلفت) بأن يقول: (أسلمت إليك أو أسلفتك مائة دينار مثلاً في طُنٍّ من الحنطة بصفة كذا إلى أجل كذا) فيقول المسلّم إليه: - وهو البائع - (قبلت).

مسألة 263: يجوز في السلف أن يكون المبيع والثمن من غير الذهب والفضّة - على تفصيل يأتي في المسألة التالية - كما يجوز أن يكون أحدهما من الذهب أو الفضّة والآخر من غيرهما ثمناً كان أو مُثْمَناً، ولا يجوز أن يكون كلّ من الثمن والمُثْمَن من الذهب أو الفضّة أو أحدهما من الذهب والآخر من الفضّة.

مسألة 264: يُشترط في السلف أُمور :

الأوّل: أن يكون المبيع مضبوط الأوصاف التي تختلف القيمة باختلافها كالجودة والرداءة والطعم والريح واللون وغيرها، ولا يلزم التدقيق والاستقصاء بل يكفي التعيين بنحو يكون المبيع مضبوطاً عرفاً، فيصحّ السلف في الحيوان والخضر والفواكه والحبوب والجوز واللوز والبَيْض والملابس والأشربة والأدوية وآلات السلاح وآلات النجّارة والنسّاجة والخياطة وغيرها من الأعمال وغير ذلك، ولا يصحّ فيما لا يمكن ضبط أوصافه كغالب أنواع الجواهر واللّآلي والبساتين وغيرها ممّا لا ترتفع الجهالة فيها إلّا بالمشاهدة.

الثاني: قبض الثمن قبل التفرّق ولو قبض البعض صحّ فيه وبطل في الباقي، ولو كان الثمن دَيْناً في ذمّة البائع صحّ إذا كان الدين حالّاً أو حلّ قبل افتراقهما، وإلّا لم يصحّ.

الثالث: تقدير المبيع ذي الكيل أو الوزن أو العدّ بمقداره، والمتاع الذي يباع بالمشاهدة يجوز بيعه سلفاً، ولكن يلزم أن يكون التفاوت بين أفراده غير معتنى به عند العقلاء كبعض أقسام الجوز والبيض.

الرابع: تعيين أجل مضبوط للمسلَّم فيه بالأيّام أو الشهور أو السنين أو نحوها، ولو جعل الأجل زمان الحصاد أو الدِّياس أو الحضيرة بطل البيع، ويجوز فيه أن يكون قليلاً كيوم ونحوه وأن يكون كثيراً كعشرين سنة.

الخامس: تعيين مكان تسليم المسلَّم فيه مضبوطاً فيما يختلف باختلافه الأغراض على الأحوط لزوماً إذا لم ‏يكن له تعيّن عندهما ولو لانصراف ونحوه كما سيأتي.

السادس: إمكان دفع ما تعهّد البائع دفعه وقت الحلول وفي البلد الذي شرط التسليم فيه إذا كان قد شرط ذلك، سواء أكان عامّ الوجود أم نادره، فلو لم ‏يمكن ذلك ولو تسبيباً لعجزه عنه ولو لكونه في سجن أو في بيداء لا‏ يمكنه الوصول إلى البلد الذي اشترط التسليم فيه عند الأجل بطل.

السابع: أن لا يلزم منه الربا، فإذا كان المبيع سلفاً من المكيل أو الموزون لم ‏يجز أن يجعل ثمنه من جنسه بل ولا من غير جنسه من المكيل والموزون على الأحوط لزوماً، وإذا كان من المعدود لم ‏يجز على الأحوط لزوماً جعل ثمنه من جنسه بزيادة عينيّة.

مسألة 265: إطلاق العقد يقتضي تسليم المسلَّم فيه في بلد العقد إلّا أن تقوم قرينة على خلافه، وحينئذٍ إن اقتضت تعيين غيره يؤخذ به وإلّا فالأحوط لزوماً - كما مرّ - تعيين مكان التسليم.

مسألة 266: إذا جعل الأجل شهراً حمل على ما ينصرف إليه إطلاقه في عرف المتبايعين من الشهر الهلاليّ أو الشهر الشمسيّ - على اختلاف أنواعه - فإن وقع البيع في أوّل الشهر فالمراد تمام ذلك الشهر، وإن كان في أثناء الشهر ففي كون المراد به ثلاثين يوماً أو مجموع ما بقي من الشهر الأوّل مع إضافة مقدار من الشهر الثاني يساوي الماضي من الشهر الأوّل وجهان، والصحيح هو الوجه الأوّل، وإن كان الأحوط استحباباً هو التعيين من الأوّل، ومع عدمه فالأحوط استحباباً التصالح بلحاظ أصل البيع.

وإن جعل الأجل شهرين أو عدّة شهور ووقع البيع في أثناء الشهر جعل الشهر الثاني وما بعده هلاليّاً أو شمسيّاً - كما مرّ - ويجري الوجهان المتقدّمان في الشهر الأوّل.

مسألة 267: إذا جعل الأجل جمادى أو ربيعاً حمل على أوّلهما من تلك السنة وحلّ بأوّل جزء من ليلة الهلال، وإذا جعله الجمعة أو الخميس حمل على الأوّل من تلك السنة وحلّ بأوّل جزء من نهار اليوم المذكور .

مسألة 268: إذا اشترى شيئاً سلفاً جاز بيعه من بائعه قبل حلول الأجل نقداً وكذا بعده نقداً ونسيئة بجنس الثمن - بشرط عدم الزيادة على الأحوط لزوماً - أو بجنس آخر ما لم‏ يستلزم الربا على التقديرين، ولا يجوز بيعه من غير البائع قبل حلول الأجل، ويجوز بعده سواء باعه بجنس آخر أو بجنس الثمن مع الزيادة أو النقيصة أو التساوي ما لم ‏يستلزم الربا.

هذا في غير المكيل والموزون وأمّا فيهما - ما عدا الثمار - فلا يجوز بيعهما لغير البائع قبل القبض مرابحة مطلقاً كما تقدّم في المسألة (200).

مسألة 269: إذا دفع البائع المسلَّم فيه دون الصفة لم ‏يجب على المشتري القبول، ولو رضي بذلك صحّ، وكذلك إذا دفع أقلّ من المقدار، وتبرأ ذمّة البائع إذا أبرأه المشتري من الباقي، و إذا دفعه على الصفة والمقدار وجب عليه القبول، وإذا دفع فوق الصفة فإن كان شرط الصفة راجعاً إلى استثناء ما دونها فقط وجب القبول أيضاً، وإن كان راجعاً إلى استثناء ما دونها وما فوقها لم ‏يجب القبول، ولو دفع إليه زائداً على المقدار لم ‏يجب القبول.

مسألة 270: إذا حلّ الأجل ولم ‏يتمكّن البائع من دفع المسلَّم فيه تخيّر المشتري بين أن ينتظر إلى أن يتمكّن البائع من دفع المبيع إليه في وقت آخر وبين الفسخ والرجوع بالثمن أو بدله بلا زيادة ولا نقصان، ولا يجوز له بيعه من البائع بأكثر ممّا اشتراه على الأحوط لزوماً، ولو تمكّن البائع من دفع بعضه وعجز عن الباقي كان له الخيار في الباقي بين الفسخ فيه والانتظار، ويجوز له الفسخ في الكلّ أيضاً، ولو فسخ في البعض جاز للبائع الفسخ في الكلّ.

مسألة 271: لو كان المبيع موجوداً في غير البلد الذي عيّن للتسليم فيه فإن تراضيا بتسليمه في موضع وجوده جاز، وإلّا فإن أمكن وتعارف نقله إلى بلد التسليم وجب على البائع نقله، وإلّا فيجري الحكم المتقدّم من الخيار بين الفسخ والانتظار .