نبدأ كلامنا عن التسامح من خلال هذه القصة: كان هناك صديقان يمشيان في الصحراء، خلال الرحلة تجادل الصديقان فضرب أحدهما الآخر على وجهه.
الرجل الذي تعرّض للضرب على وجهه تألم ولكنه دون أن ينطق بكلمة واحدة كتب على الرمال: اليوم أعز أصدقائي ضربني على وجهي.
استمر الصديقان في مشيهما إلى أن وجدا واحة فقرّرا أن يستحمّا. فالرجل الذي تعرّض للضرب على وجِهه علقت قدمه وسقط في النهر وبدأ يغرق، ولكن صديقة أمسكه وأنقذه من الغرق، وبعد أنْ نجا الصديق من الموت قام وكتب على قطعة من الصخر: اليوم أعز أصدقائي أنقذ حياتي.
الصديق الذي ضرب صديقه وأنقذه من الموت سأله: لماذا في المرة الأولى عندما ضربتك كتبْتَ على الرمال والآن عندما أنقذتك كتبْتَ على الصخرة؟
فأجاب صديقه: عندما يؤذينا أحد علينا ان نكتب ما فعله على الرمال حيث رياح التسامح يمكن لها أن تمحيها، ولكن عندما يصنع أحد معنا معروفاً فعلينا ان نكتب ما فعل معنا على الصخر، حيث لا يوجد أي نوع من الرياح يمكن أن يمحيها.
التسامح صفة إنسانية مصنّفة ضمن الأخلاق الحسنة التي يدعوا إليها أهل البيت عليهم السلام، وهو مظهر واضح من مظاهر حُسن الخُلق وسلوك إنساني يصُبّ في بناء الشخصية الفاضلة، قال تعالى: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ، وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[1].
فلابدّ للمؤمن من أن يسعى لتفعيل هذه الفضيلة في علاقاته مع الآخرين، وأن لا يروض نفسه على التشدد في المواقف والأحكام المتعلقة بها إذا لم يوثر على دينه وعلاقته بالله تعالى، ثقةً منه أنّه كلّما ازداد تسامحه مع الناس وعفا عن مسيئهم كلما تسامح الله تعالى معه وما أحوجه اليه.
وتوطين النفس على التسامح أمر قد لا يحصل للإنسان بسهولة، فربما يحتاج الى ممارسة طويلة بدءاً من الأمور الصغيرة التي يمكن أن تتنازل النفس عنها، إلى أن يتقوّى الإنسان من هذه الناحية، فتتوطد في نفسه القدرة على المسامحة في الأمور الكبيرة، وأن مرحلة الشباب هي أفضل مرحلة في حياة الإنسان لبناء التسامح وغيرها من الصفات الفاضلة، فكلّما يتقدم الإنسان في السنّ يصعب عليه عمليّة تغيير ما شبّ عليه من السلوك وما بناه لنفسه من الأخلاق
النفس كالطفل إن تُهمله شَبَّ على....... حبِّ الرضاع وإن تَفطِمه يَنفطم
أمّا مجالات التسامح ومتعلقاته فهي بشكل عامّ عبارة عن الأمور المباحة والمحلّلة شرعاً، والتي لا يوجد فيها تكليف إلزامي شرعي من إيجاب أو تحريم، وإلا فلا تسامح في ترك واجب ولا في فعل حرام أبداً.
فحريٌّ بالمؤمن عدم التسامح في الواجبات والمحرّمات بل يكون سلوكه مع الآخرين فيها بمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا تسامح مع كلّ مَن يتعدّى حدود الله تعالى، فيترك واجباً شرعيّاً أو يقوم بعمل محرّم، بل يشدد عليه بالنصح والردع حسب حجم المخالفة التي يرتكبها.
المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (22)