صلة الأرحام

قال تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ)[1].

يدعو سبحانه الناس إلى الالتزام بالتقوى في مواضع عديدة من القرآن الكريم وذلك لأهميتها، ودورها في بناء قاعدة المجتمع الصالح، وأحد هذه المواضع هو هذه الآية الكريمة إذ يقول تعالى: (اتقوا الله الذي تساءلون به)، أي: اتقوا الله الذي هو عندكم عظيم، وتذكرون اسمه عندما تطلبون حقوقكم وحوائجكم فيما بينكم، غاية الأمر أنه تعالى أضاف إليها هنا جملة أخرى حيث يقول تعالى: " والأرحام " وهو عطف على " الله "، ولهذا كانت القراءة المعروفة هي نصب "والأرحام" فيكون معناها: واتقوا الأرحام، ولا تقطعوا صلاتكم بهم.

إن ذكر هذا الموضوع هنا يدل على الأهمية الفائقة التي يعطيها القرآن الكريم لمسألة الرحم ووشيجة القربى إلى درجة أنه يذكر اسم الأرحام بعد ذكر اسم الله سبحانه.

أهمية صلة الرحم في الإسلام:

لقد أعار الإسلام اهتماماً بالغاً بصلة الرحم وبالتودد إلى الأهل والأقارب، ونهى بشدة عن قطع الارتباط بالرحم، وهذا الموضوع من المسائل التي يهتم بها القرآن الكريم اهتماماً بالغاً تارة تحت عنوان "صلة الرحم" وأخرى بعنوان "الإحسان إلى القربى" يقول سبحانه: (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطّعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله)[2].

ويقول تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا)[3].

وقد أراد الإسلام بهذا ـ في الحقيقة ـ أن يقوي من أواصر العلاقة بين جميع أفراد البشر مضافاً إلى إيجاد أواصر وعلاقات أقوى وأمتن منها في الوحدات الاجتماعية التي هي أكثر انسجاماً مثل "العشيرة" و"العائلة" ليستطيعوا التعاون في ما بينهم عند ظهور المشاكل والحوادث، والتعاون على الدفاع عن حقوقهم.

والسبب في كل هذا التأكيد الإسلامي على الرحم هو أن عملية إصلاح المجتمع وتقوية بنيته وصيانة مسيرة تكامله وعظمته في الحقول المادية والمعنوية، تفرض البدء بتقوية اللبنات الأساسية التي يتكون منها البناء الاجتماعي، وعند استحكام اللبنات وتقويتها يتم إصلاح المجتمع تلقائياً.

 الإسلام مارس هذه العملية على النحو الأكمل في بناء المجتمع الإسلامي القوي الشامخ، وأمر بإصلاح الوحدات الاجتماعية، والكائن الإنساني لا يأبى عادة أن ينصاع إلى مثل هذه الأوامر اللازمة لتقوية ارتباط أفراد الأسرة، لاشتراك هؤلاء الأفراد في الرحم والدم.

وواضح أن المجتمع يزداد قوة وعظمة كلما ازداد التماسك والتعاون والتعاضد في الوحدات الاجتماعية الصغيرة المتمثلة بالأسرة، وإلى هذه الحقيقة قد يشير الحديث الشريف: " صلة الرحم تعمر الديار ".

بعض آثار صلة الرحم في الروايات الشريفة

صلة الرحم وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله):

عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أوصي الشاهد من أمتي والغائب منهم ومن في أصلاب الرجال وأرحام النساء إلى يوم القيامة أن يصل الرحم وإن كانت منه على مسيرة سنة، فإن ذلك من الدين)[4].

صلة الرحم أعجل الخير ثواباً:

عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن أعجل الخير ثوابا صلة الرحم)[5].

صلة الرحم تطيل العمر وتزيد الرزق:

قال أبو جعفر الباقر (عليه السلام): (صلة الأرحام تزكّي الأعمال وتنمّي الأموال وتدفع البلوى وتيسّر الحساب وتنسئ في الأجل)[6].

صلة الرحم تهون الحساب:

عن إسحاق بن عمار قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (إن صلة الرحم والبر ليهونان الحساب ويعصمان من الذنوب، فصلوا أرحامكم وبروا بإخوانكم ولو بحسن السلام ورد الجواب)[7].

بعض آثار قطيعة الرحم في الروايات الشريفة

الرحم تدعو على قاطعها في يوم القيامة:

قال أبو عبد الله (عليه السلام): (أول ناطق من الجوارح يوم القيامة الرحم تقول: يا رب من وصلني في الدنيا فَصِلْ اليوم ما بينك وبينه، ومن قطعني في الدنيا فاقطعْ اليوم ما بينك وبينه)[8].

قاطع الرحم لا يقبل عمله:

قال (صلى الله عليه وآله): (إن أعمال بني آدم تعرض كل عشية خميس ليلة الجمعة، فلا يقبل عمل قاطع رحم)[9].

طرق تحقيق صلة الرحم:

من فضل الله وكرمه أنه سبحانه وتعالى لم يحدد لنا طريقا واحدا لكي نصل به الأرحام، بل ترك لنا حرية تحقيق ذلك بحسب ما يستفاد من الأعراف، وتوليد الوسائل التي تساعده في صلة رحمه، ويختلف ذلك باختلاف الأشخاص والأحوال والأزمنة، وفيما يلي نذكر بعض هذه الطرق:

1- الزيارة والتواصل مع الأقارب:

إذا كان المسلم يؤجر على زيارة أخيه المسلم البعيد فإن زيارة أقاربه أكبر أجراً، فإن الزيارة عمود التواصل وتزداد أهمية صلة الرحم عندما تكون الزيارة لعيادة المرضى وفي مناسبات الأفراح والأتراح.

2- الإنفاق على الرحم:

من وجوه صلة الرحم الإنفاق عليه بما فتح الله عليك، خصوصاً الإنفاق على المعسرين منهم، فينبغي تمييزهم على غيرهم في الصدقات الواجبة والمستحبة، والإنفاق على الرحم من البر الذي أُمرنا به: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ [10]، وقال تعالى: يَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ[11]، وقال تعالى: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ النحل: 90.

3- لين الجانب والصبر على الأذى:

اخفض جناحك لأرحامك ولو عاتبوك، وتحمّل ما يصدر منهم من أذى، وردّ عليهم بالعفو والإحسان فستنال رضا الله وعفوه، ولا تتأخر في قبول اعتذارهم إن هم اعتذروا، ولا تبحث عن أخطائهم وزلّاتهم، وكن دائما حسن الظن بهم، وثق أنه سيأتي اليوم الذي يعرفون فيه قدرك وسيكرمونك ويرفعونك.

4- خدمة الأرحام:

ابذل وسعك في خدمتهم ولا تبخل عليهم بما حباك الله، فخدمة الإنسان لأرحامه ومساعدتهم من أعظم الأعمال عند الله وأفضلها، فاخدم رحمك بما فتح الله عليك، فإن كنت ذا علم فعلم أطفالهم ونبه جاهلهم، وإن كنت ذا جاه فاقض حوائجهم، ولا ترد شفاعة أحدهم.

مجلة بيوت المتقين العدد (28)

 


[1] النساء: 1.

[2] محمد: 22.

[3] النساء: 36.

[4] الكافي 2/151 ح5.

[5] الكافي 2/152 ح15.

[6] الكافي 2/150 ح4.

[7] الكافي 2/157 ح31.

[8] الكافي 2/151 ح8.

[9] كنز العمال 3: 370/ 6991.

[10] البقرة: 177.

[11] البقرة: 215.