والله لو اعلم أني أُقتل ثم أُحرق ثم
أذرى، يفعل ذلك بي سبعين مرة ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك...
اسمه ونسبه:
مسلم بن عوسجة بن سعد بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة، أبو حجل الأسدي.
أخباره:
كان رجلاً شريفاً كريماً عابداً متنسكاً، كان من الكوفة ومن أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام)[1].
كان مسلم بن عوسجة من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن أبطال العرب في صدر الإسلام، شهد يوم (أذربيجان) وغيره من أيام الفتوح.
نصرته لمسلم بن عقيل في الكوفة:
قيل إن مسلم بن عقيل نزل في بيت مسلم بن عوسجة الأسدي لمّا دخل الكوفة. فتسامع أهل الكوفة بقدومه فجاؤوا إليه فبايعوه وحلفوا له لينصرنه بأنفسهم وأموالهم، فاجتمع على بيعته من أهلها اثنا عشر ألفاً، ثم تكاثروا حتى بلغوا ثمانية عشر ألفاً، فكتب مسلم إلى الإمام الحسين(عليه السلام) ليقدم عليها فقد تمهدت له البيعة والأمور، فتجهز الحسين(عليه السلام) من مكة قاصداً الكوفة[2].
وكان مسلم بن عوسجة مناصراً لابن عقيل عند قدومه إلى الكوفة وكان يهيئ له المال والسلاح، ويأخذ البيعة من الناس للإمام الحسين(عليه السلام). واختار مسلم بن عقيل قادة لمناصريه في الكوفة لضرورة التنسيق بينهم فجعل مسلم بن عوسجة على ربع مذحج وأسد[3].
إنّ مسلم بن عوسجة بعد أن قُبض على مسلم وهاني وقتلا اختفى مدة ثم فر بأهله إلى الإمام الحسين (عليه السلام)، فوافاه بكربلاء وفداه بنفسه.
دوره في واقعة كربلاء:
ليلة عاشوراء لما جنّ الليل جمع الإمام الحسين (عليه السلام) أصحابه وقال: «...هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي وتفرقوا في سواد هذا الليل وذروني، وهؤلاء القوم فإنهم لا يريدون غيري» ... ثم قام مسلم بن عوسجة: «نحن نخليك هكذا وننصرف عنك، وقد أحاط بك هذا العدو لا والله لا يراني الله أبداً وأنا أفعل ذلك حتى أكسر في صدورهم رمحي وأضاربهم بسيفي ما ثبت قائمة بيدي ولو لم يكن لي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة ولم أفارقك أو أموت معك. والله لو علمت أني أقتل ثم أحيا ثم أحرق ثم أحيا ثم أذرى، يفعل ذلك بي سبعين مرة ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك، فكيف لا أفعل ذلك وإنما هي قتلة واحدة ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً»[4].
آخر وصيته:
لمّا استشهد مسلم بن عوسجة مشى إليه الحسين (عليه السلام) ومعه حبيب، فقال حبيب: عزَّ عليَّ مصرعك يا مسلم، أَبشر بالجنّة. فقال له مسلم قولاً ضعيفاً: بشّرك اللّه بخير. فقال حبيب: لولا أنّي أعلمُ أنّي في إثرك لاحق بك من ساعتي هذه لأحببتُ أن توصي إليَّ بكلّ ما أهمّك حتى أحفظك في كلّ ذلك بما أنت له أهل من الدين والقرابة. فقال له: بلى، أوصيك بهذا رحمك الله، وأومأ بيديه إلى الحسين عليه السلام أنْ تموت دونه! فقال حبيب: أفعل وربّ الكعبة. وفي رواية لأنعمنك عيناً، ثم مات رضوان الله عليه[5].
تنادى أصحاب عمرو ابن الحجّاج: قتلنا مسلم بن عوسجة الأسديّ، فقال شبث لبعض من حوله من أصحابه: ثكلتكم أمّهاتكم إنّما تقتلون أنفسكم بأيديكم، وتذلّلون أنفسكم لغيركم، تفرحون أن يقتل مثل مسلم بن عوسجة، أما والّذي أسلمت له لربّ موقف له قد رأيته في المسلمين كريم، لقد رأيته يوم سَلَقِ أذربيجان قتل ستّة من المشركين قبل تتامّ خيول المسلمين، أفيقتل منكم مثله وتفرحون[6].
الزيارات:
وقع التسليم عليه في زيارة الشهداء، وأشيد بمواقفه يوم عاشوراء، وذُكر أيضاً في زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) في نصف شعبان عند السلام على شهداء كربلاء.
مجلة بيوت المتقين العدد (81)