كان هشام بن الحكم مناظرا فذّا ـ وهو المكنّى بأبي محمد هشام بن الحكم الكوفي الشيباني، حدّث عن الإمامين الصادق والكاظم(عليهما السلام)، وكان عالي المنزلة عندهما(عليهما السلام)، وقد برع في الكلام، ففتق الكلام وكان فيه حاذقاً حاضر الجواب، وله مناظرات عديدة ـ لذا ناظر ضرار الضبي ـ شيخ الضرارية، رأس من رؤوس المعتزلة ـ في الولاية والبراءة، وهل تجب على الظاهر أو على الباطن، وكذلك ناظره في الاستدلال على إيمان أمير المؤمنين(عليه السلام) بحديث المنزلة، فكان نعم الناصر للأئمة(عليهم السلام) ذائدا بمهجته قبل لسانه، ولا يخشى في الله ونصرتهم لومة لائم.
فيروى أن ضرار بن عمرو الضبي دخل يوماً على يحيى بن خالد البرمكي، فقال له البرمكي: يا أبا عمرو هل لك في مناظرة رجل هو ركن الشيعة قاصداً بذلك هشام بن الحكم؟
فقال ضرار: هلّم من شئت.
فبعث خالد البرمكي إلى هشام بن الحكم، فأحضره.
فقال البرمكي: يا أبا محمد، هذا ضرار، وهو من قد علمت في الكلام والخلاف لك فكلمه في الإمامة.
فقال هشام بن الحكم: لا بأس في ذلك.
فأقبل ابن الحكم على ضرار قائلاً: يا أبا عمرو: خبرني على ما تجب الولاية والبراءة أعلى الظاهر أم على الباطن؟
فقال ضرار الضبي: بل على الظاهر فإن الباطن لا يدرك إلا بالوحي.
فقال هشام: صدقت، فأخبرني الآن أي الرجلين كان أذبّ عن وجه رسول الله(صلى الله عليه وآله) بالسيف، وَأَقْتَل لأعداء الله بين يديه، وأكثر آثاراً في الجهاد، أعليُّ بنُ أبي طالب(عليه السلام) أو أبو بكر؟
فقال الضبي: بل عليُّ بن أبي طالب، ولكن أبا بكر كان أشدّ يقيناً.
فقال هشام بن الحكم: هذا هو الباطن الذي قد تركنا الكلام فيه، وقد اعترفت لعليٍّ(عليه السلام) بظاهر عمله من الولاية، وأنه يستحقّ بها من الولاية ما لم يجب لأبي بكر.
فقال ضرار الضبي: هذا هو الظاهر نعم.
فقال له هشام بن الحكم: أفليس إذا كان الباطن مع الظاهر فهو الفضل الذي لا يدفع؟!
فقال له ضرار: بلى.
فقال له هشام: ألست تعلم أن رسول الله(صلى الله عليه وآله)ؤ قال لعلي(عليه السلام): «أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِي بَعْدِي»[1].
قال ضرار الضبي: نعم.
قال هشام بن الحكم: أ فيجوز أن يقول هذا القول إلا وعنده في الباطن مؤمن؟
قال: لا.
فقال هشام: فقد صح حينئذ لعلي(عليه السلام) ظاهره وباطنه ولم يصح لصاحبك لا ظاهر ولا باطن والحمد لله.
فقال ضرار الضبي لابن الحكم: ألا دعا عليُّ الناسَ عند وفاة النبي(صلى الله عليه وآله) إلى الإتمام به إن كان وصيّاً؟
قال هشام بن الحكم: لم يكن واجبا عليه، لأن النبي(صلى الله عليه وآله) قد دعاهم إلى موالاته والإتمام به يوم الغدير (غدير خم في خطبة حجة الوداع)، ويوم تبوك (إشارة لحديث المنزلة المتقدم)، وغيرهما فلم يقبلوا منه، ولو كان ذلك جائزاً لجاز على آدم أن يدعو إبليس إلى السجود له بعد إذ دعاه ربه إلى ذلك، ثم إنه صبر كما صبر أولوا العزم من الرسل[2]. [3]
مجلة اليقين، العدد (54)، الصفحة (8 - 9).