من دلائل الإمامة

ناظر أبو محمد الفضل بن شاذان بن الخليل الأزدي النيسابوري ـ أحد أعلام الإسلام والشيعة ـ بعضهم عندما سألوه عن دليل إمامة أمير المؤمنين(عليه السلام).

فقال النيسابوري: إن الدليل على ذلك من كتاب الله عز وجل، ومن سنة نبيّه(صلى الله عليه وآله)، ومن إجماع المسلمين.

فأما كتاب الله سبحانه وتعالى في قوله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)[1].

فاحتجنا إلى معرفة أولي الأمر، فنظرنا في أقاويل الأمة فوجدناهم قد اختلفوا في أولي الأمر، وأجمعوا في الآية على ما يوجب كونها في عليّ بن أبي طالب(عليه السلام).

فقال بعضهم: أولوا الأمر هم أمراء السرايا.

وقال البعض الآخر: هم العلماء.

وقال غيرهم: هم القوام على الناس والآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر.

وقال غير أولئك: هم علي بن أبي طالب والأئمة من ذريته(عليهم السلام).

فسأل النيسابوري الفرقة الأولى: أليس عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) من أمراء السرايا؟

قالوا: بلى.

وسأل النيسابوري الفرقة الثانية: ألم يكن عليّ (عليه السلام) من العلماء؟

قالوا: بلى.

وسأل النيسابوري للثالثة: أليس عليّ(عليه السلام) قد كان من القوام على الناس بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

فقالوا: بلى.

فقال النيسابوري: فصار أمير المؤمنين(عليه السلام) معنيا بالآية باتفاق الأمة وإجماعها، وتيقنا ذلك بإقرار المخالف لنا في إمامته(عليه السلام) والموافق عليها، فوجب أن يكون إماما بهذه الآية.

وقال النيسابوري مسترسلا في كلامه وأما السنة: فإنا وجدنا النبي(صلى الله عليه وآله) استقضى عليا(عليه السلام) على اليمن، وأمّره على الجيوش، وولّاه الأموال، وأمره بأدائها إلى بني جذيمة الذين قتلهم خالد بن الوليد ظلما، واختاره لأداء رسالات الله عز وجل والإبلاغ عنه في سورة البراءة ـ لمّا نزلت الآيات الأُول من سورة التوبة على النبي(صلى الله عليه وآله)، أعطاها لأبي بكر لكي يقرأها على مشركي مكّة يوم النحر، فلمّا خرج أبو بكر لقرائتها نزل جبرائيل(عليه السلام) على النبي(صلى الله عليه وآله) قائلا: «يا مُحمّد، لا يؤدِّي عنكَ إلّا أنت أو رجلٌ منك» ـ واستخلفه عند غيبته على من خلف، ولم نجد النبي(صلى الله عليه وآله) سن هذه السنن في غيره ولا اجتمعت هذه السنن في أحد بعد النبي(صلى الله عليه وآله) كما اجتمعت في أمير المؤمنين(عليه السلام)، وسنة النبي(صلى الله عليه وآله) بعد موته واجبة كوجوبها في حياته.

فإذا وجدنا هذه السنن والخصال في رجل قد سنّها الرسول(صلى الله عليه وآله) فيه كان أولى بالإمامة ممن لم يسن النبي(صلى الله عليه وآله) فيه شيئا من ذلك.

وأما الإجماع: فإن الإمامة تثبت من عدّة وجوه:

منها: أنهم قد أجمعت الأمة جميعا على أن عليا(عليه السلام) قد كان إماما ولو يوما واحدا. فبعض الأمة قالت: كان عليّ(عليه السلام) إماما في وقت دون آخر، وقالت بعض من الأمة: كان إماما بعد النبي(صلى الله عليه وآله) في جميع أوقاته.

فقد أجمعت الأمة الإسلامية بالتالي على إمامته.

ومن الأمة بعضها أجمعت على أن عليا(عليه السلام) كان يصلح للإمامة ظاهر العدالة واجبة له الولاية ومنها أفصحت على أن الإمامة تصلح لبني هاشم، واختلفوا في غير شخص الإمام على ذلك، والإجماع حق لا شبهة فيه.

ثم اختلفوا فقال قوم: إنه كان مع ذلك معصوماً من الكبائر والضلال. وقال آخرون: لم يك معصوماً، ولكن كان عدلا براً تقيا على الظاهر لا يشوب ظاهره الشوائب، فحصل الإجماع على عدالته، واختلفوا في نفي العصمة عنه.

وأجمعت الأمة على أن أبا بكر لم يك معصوماً واختلفوا في عدالته، فقالت طائفة: كان عدلاً، وقالت أخرى: لم يكن عدلا لأنه أخذ ما ليس له، فمن أجمعوا على عدالته واختلفوا في عصمته أولى بالإمامة ممن اختلفوا في عدالته وأجمعوا على نفي العصمة عنه)[2].

مجلة اليقين، العدد (64)، الصفحة (8 - 9).

 


[1] النساء: 59.

[2] مناظرات في الإمامة، الشيخ عبد الله الحسن: ص250.