1- عَنْ أَبِي الْجَارُودِ قَالَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (عليه السلام): (مَا يَنْقِمُ النَّاسُ مِنَّا فَنَحْنُ والله شَجَرَةُ النُّبُوَّةِ وبَيْتُ الرَّحْمَةِ ومَعْدِنُ الْعِلْمِ ومُخْتَلَفُ الْمَلَائِكَةِ)[1].
2- عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيه (عليه السلام) قَالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام): (إِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ شَجَرَةُ النُّبُوَّةِ ومَوْضِعُ الرِّسَالَةِ ومُخْتَلَفُ الْمَلَائِكَةِ وبَيْتُ الرَّحْمَةِ ومَعْدِنُ الْعِلْمِ)[2].
3- أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ عَبْدِالله بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْخَشَّابِ قَالَ حَدَّثَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ خَيْثَمَةَ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِالله (عليه السلام): (يَا خَيْثَمَةُ نَحْنُ شَجَرَةُ النُّبُوَّةِ وبَيْتُ الرَّحْمَةِ ومَفَاتِيحُ الْحِكْمَةِ ومَعْدِنُ الْعِلْمِ ومَوْضِعُ الرِّسَالَةِ ومُخْتَلَفُ الْمَلَائِكَةِ ومَوْضِعُ سِرِّ الله ونَحْنُ وَدِيعَةُ الله فِي عِبَادِه ونَحْنُ حَرَمُ الله الأَكْبَرُ ونَحْنُ ذِمَّةُ الله ونَحْنُ عَهْدُ الله فَمَنْ وَفَى بِعَهْدِنَا فَقَدْ وَفَى بِعَهْدِ الله ومَنْ خَفَرَهَا فَقَدْ خَفَرَ ذِمَّةَ الله وعَهْدَه)[3].
الشرح:
قال الإمام أبو عبدالله الصادق(عليه السلام): (نَحْنُ شَجَرَةُ النُّبُوَّةِ)، فيه تشبيه النبوَّة بالشجرة في كثرة النفع وحسن النضارة وبالطبع فهم (عليهم السلام) الشجرة المظلّلة المثمرة إذ منهم يقتطفُ أثمارَ المسائل الإلهيّة والقوانين الشرعيّة كلُّ عالم، وبظلّهم يستظلّ ويستريح من حرّ الشدايد الدُّنيويّة والأُخرويّة كلُّ سالك، وقوله(عليه السلام): (وبَيْتُ الرَّحْمَةِ)، الرّحمة: الرِّقّة والتعطّف والشفقة على خلق الله، وهذه الأمور -على وجه الكمال- إنّما هي فيهم، فكأنّهم بيت جعله الله تعالى مخزناً لها، ويحتمل أن يراد بالرحمة، الرحمة الإلهيّة، وهي الإحسان والإفضال والإنعام، وهم(عليهم السلام) محلٌّ لها وواسطة لوصولها إلى سائر الخلق.
وقوله (عليه السلام): (ومَفَاتِيحُ الْحِكْمَةِ)، لأَنَّ انتشارها فيما بين الخلق وانتقالها من خزائنها، إنّما هو بحسن بيانهم وفصاحة لسانهم، فكما أنّ الجواهر المخزونة في البيت المقفّل لا تظهر ولا تخرج منه بدون المفتاح، كذلك الحكمة المخزنة في مخزنها لا تظهر ولا تخرج بدون بيانهم فوقع التشابه بينهم وبين المفتاح بهذا الاعتبار.
وقوله (عليه السلام): (ومَعْدِنُ الْعِلْمِ)، لإقامة العلم ورسوخه فيهم ووصوله منهم إلى الخلائق.
وقوله (عليه السلام): (ومَوْضِعُ الرِّسَالَةِ)، إذ رسالة النبي (صلى الله عليه وآله) وتبليغه إلى الأمّة إلى يوم القيامة استقرَّت فيهم بأمر الله تعالى، لما لهم من شرف الذَّات، وكَرَم الأَخلاق، وصفاء النفس، وذكاء العقل، فاختصّوا بتلك النعمة الجزيلة، وهي نعمة الرِّسالة، وما تستلزمه من الشرف والفضل، حتّى كان الناس عيالاً عليهم، وآثار تلك النعمة إنّما وصلت إلى الناس بوساطتهم، ولولاهم لجهل الناس دينهم وشرائع نبيّهم ورجعوا إلى ما كانوا عليه في الجاهليّة.
وقوله (عليه السلام): (ومُخْتَلَفُ الْمَلَائِكَةِ)، لنزولها إليهم مرَّة بعد مرَّة وطائفة بعد أخرى، لزيارتهم والتشرُّف بهم، ولإخبارهم بما يوجد في هذا العالم وفي عالم الغيب من الحوادث وغيرها.
وقوله (عليه السلام): (ومَوْضِعُ سِرِّ الله)، المراد بسرِّ الله ما أظهره الله تعالى على الأَنبياء والأَوصياء من العلوم والحقائق وأخفاه عن غيرهم، لعدم قدرتهم على معرفة ذلك وعدم اتّساع قلوبهم لتحمّله ولذلك قال (صلى الله عليه وآله): (نحن معاشر الأَنبياء أُمرنا أن نكلّم الناس على قدر عقولهم).
ويحتمل أن يراد بسرِّ الله شرائعه لأَنّها أسرار الله التي كانت مكتومة فأوحاها جلَّ شأنه إلى نبيّه وألقاها النبي (صلى الله عليه وآله) إلى أوصيائه (عليهم السلام) ووضعها عندهم.
وقوله (عليه السلام): (ونَحْنُ وَدِيعَةُ الله فِي عِبَادِه)، فهم (عليهم السلام) وديعة الله تعالى في عباده، فيجب على العباد حفظهم ورعايتهم وعدم التقصير في حقّهم كما يجب ذلك على المستودع، وكما أنَّ المستودع يستحقّ العقوبة والمؤاخذة والاعتراض بالتقصير في الوديعة، كذلك العباد يستحقّونها بالتقصير في حقّهم (عليه السلام).
وقوله (عليه السلام): (ونَحْنُ حَرَمُ الله الأَكْبَرُ)، كلُّ ما جعل الله تعالى له حرمة لا يحلُّ انتهاكه، ومنع من خدش تعظيمه وعزِّه، كأولياء الله وملائكة الله ومكّة ودين الله وغير ذلك، فهو حرم الله الّذي وجب على الخلق تعظيمه وعدم هتك عزَّته وحرمته.
والأَكبر والأَشرف والأَعظم من الجميع هم الأَئمّة القائمون مقام النبيِّ كما أنَّ النّبيّ (صلى الله عليه وآله) أكبر من الجميع.
وقوله (عليه السلام): (ونَحْنُ ذِمَّةُ الله)، الذمّة والذِّمام بمعنى العهد والضمان والأَمان والحرمة والحقِّ، وهم (عليهم السلام) حقُّ الله الّذي وجب رعايته على عباده، وصون حرمتهم الّتي لا يجوز انتهاكها، وأمانه في عباده، إذ أخذ الله تعالى عهداً من العباد بحفظهم وتعظيمهم.
وقوله (عليه السلام): (ونَحْنُ عَهْدُ الله)، الّذي أُمِر بالوفاء به ووُعِد بالثواب عليه بقوله: (أوفوا بعهدي أوف بعدكم)، والمراد بالعهد: عقد الإمامة لهم في الميثاق أو عقد الرُّبوبيّة، والحمل حينئذ للمبالغة حيث أنَّ قبولهم مستلزم لقبوله وردّهم مستلزم لردِّه، فكأنّهم نفسه.
وقوله (عليه السلام): (ومَنْ خَفَرَهَا فَقَدْ خَفَرَ ذِمَّةَ الله وعَهْدَه)، الخفر والتخفير بمعنى نقض الذّمّة والعهد، وخفر بالعهد: وَفي به. وقال في النهاية: خفرت الرَّجل اجرتُهُ وحفظته، وخفرته إذا كنت له خفيراً: أي حامياً وكفيلاً، وتخفّرت به: إذا استجرت به، والخفارة بالكسر والضمِّ: الذّمام، وأخفرت إذا نقضت عهده وذمامه والهمزة فيه للإزالة أي أزلت خفارته كأشكيته إذا أزلت شكايته.
ولعلَّ المعنى: من وفى بذمّتنا فقد وفى بذمّة الله فهذا متعلّق بقوله نحن ذمّة الله.
وقوله (عليه السلام): (فَمَنْ وَفَى بِعَهْدِنَا)، متعلّق بقوله: (نَحْنُ عَهْدُ الله)، وقد عرفت من تفسير هذين القولين أنَّ الذمة والعهد متغايران هنا، ويقال: خفر بعهده خفراً وخفوراً نقضه وغدره كأخفره. ولو صحَّ هذا فالمعنى من نقض ذمّتنا فقد نقض ذمّة الله وعهده.
مجلة بيوت المتقين العدد (63)