التأريخ ينطق بالمأساة

لم تكن مأساة الزهراء (عليها السلام) بتفاصيلها خافية في بطون التاريخ حتى يظهر لنا من هنا وهناك من يتفلسف ويتمنطق في إماتة تلك الحقيقة الناصعة ودفنها في أديم الظلامة! ولم تكن تلك الحادثة المؤلمة عدميةً حتى ابتدعها شيعة آل محمد (صلى الله عليه وآله) وأوجدوها من عندياتهم! ولم تكن تلك الظلامة قد ذكرت في أمّهات كتب الشيعة فحسب حتى تقع الظلامة بين الأخذ والرد من قبل من يحسب على المسلمين أو شيعة أهل البيت(عليهم السلام)! ألم يقل رسول الله(صلى الله عليه وآله) في أصحِّ كتاب بعد كتاب الله تعالى عند العامة: «فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي، فَمَنْ أَغْضَبَهَا أَغْضَبَنِي»؟![1]، وأنه(صلى الله عليه وآله) قال لفاطمةَ: «أَنَّ اللهَ يَغْضَبُ لِغَضَبِكِ، وَيَرْضَى لِرَضَاكِ»[2]، وفي الصحيح أيضاً (ج5، ص82) أثبت البخاري - في قضية فدك - أن الزّهراء(عليها السلام) ماتت وهي غاضبة على فلان، فقال: (فَوَجَدَتْ (غضبت) فَاطِمَةُ على ... في ذَلكَ، فَهَجَرَتْهُ فلم تُكَلِّمْهُ حتى تُوُفِّيَتْ، وَعَاشَتْ بَعْدَ النَّبيِّ(صلى الله عليه وآله) سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فلما تُوُفِّيَتْ دَفَنَهَا زَوْجُهَا عَلِيٌّ لَيْلًا، ولم يُؤْذِنْ بِها ...).

ومن السّهل على كل عاقل لبيب أن يجمع بين الأحاديث المتقدمة، ويخرج بنتيجة لا مناص منها أبداً، وهي الحقيقة التي لا ينكرها إلا مكابر ومعاند للحقّ، ومجانب للصواب، وهل فيما يلي من التصريح بالظلامة شكٌّ أو ريبٌ: (إنّ ... تَفَقَّدَ قَوْماً تَخَلَّفُوا عَنْ بَيْعَتِهِ عِنْدَ عَليٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ ...، فَجاءَ فَناداهُمْ وَهُمْ في دارِ عَليٍّ، فَأَبَوْا أَنْ يَخْرُجُوا فَدَعا بِالْحَطَبِ وَقالَ: وَالَّذي نَفْسُ ... بِيَدِهِ لَتَخْرُجَنَّ، أَوْ لأَحْرَقَنَّها عَلى مَنْ فيها، فَقيلَ لَهُ: يا أَبا ... إِنَّ فيها فاطِمَةَ، فَقالَ، وَإِنْ!!)[3]، ناهيك عن مصادرنا الخاصّة التي صرّحت بتفاصيل الحادثة الجليلة والظلامة الكبرى، فهل من مدكّر؟

مجلة اليقين العدد (57)

 


[1] صحيح البخاري: ج7، ص47.

[2] المستدرك على الصحیحین: ج3، ص167.

[3] الإمامة والسياسة ابن قتيبة: ص12.