لم يكن العامل المادي هو الدافع الوحيد لأدعياء الخلافة في غصب فدك من الزهراء (عليها السلام) بل كان هناك وراء ذلك عامل سياسي يكمن خلفه، إذ أن الجانب السياسي قد تنامى بعد رحيل الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)
فكان له وقع كبير بسبب أحداث اختيار الخليفة وما صاحبها من تداعيات، لذا فقد هيمن هذا البعد على الجوانب الاجتماعية لا سيما التي تحتك بالخليفة الشرعي وزوجه بضعة النبي (صلى الله عليه وآله).
ومن أهم معالم هذا العامل السياسي، مايلي:
الجانب المعنوي والمتمثل باختصاص الزهراء (عليها السلام) بنحلة من النبي (صلى الله عليه وآله) تجعلها ذات ميزة إضافية على مجرد القرب النَسَبي منه (صلى الله عليه وآله)، مما يحيطها بهالة من القداسة تضطرب معها أركان الخلافة التي لم يمر عليها وقت طويل ليشتد عودها وتستقيم واقفة على رجليها.
فالتهديد محتمل - حسب منظور أصحابها - من داخل بيت الخليفة الشرعي، ووجود هذه الجوانب المعنوية عوامل مهمة لتجميع الأنصار حولهم وتقوية شوكتهم.
على أن هذا التفكير القاصر لم يكن ليعني شيئاً بالنسبة لبيت علي (عليه السلام)، إذ لم تكن هذه النحلة لتساوي شيئا بجنب العوامل المعنوية الكثيرة التي كان يتميز بها أفراد هذا البيت النبوي، أعني: عليا وفاطمة (عليهما السلام)، فلو كانا يفكران في استغلال هذا الجانب لكان لهم من المؤهلات المعنوية الشيء الكثير المحرض على ذلك، وأهم عامل هو نفس شرعيته للخلافة وكونها له بنص القرآن وتنصيب الرسول(صلى الله عليه وآله) يوم الغدير، بشهادة المسلمين كافة، ولكون الزهراء (عليها السلام) ابنته(صلى الله عليه وآله) التي قال فيها ما قال من المدح الذي منه: أنها سيدة نساء العالمين، وأن الله يرضى لرضاها ويسخط لسخطها،... وغير ذلك من المناقب والفضائل التي لا تساوي فدك قبالها شيئا يذكر.
التضييق الاقتصادي على هذا البيت بقطع موارده التي يرتزق منها، والغرض من هذا التضييق قطع أهم عوامل الثورة المحتملة من قبل الخليفة الشرعي - فيما لو فكر بذلك -، إذ أن الجانب المادي له دور كبير في تحشيد الأشخاص والمطالبة بالحق الشرعي على شكل انقلاب عسكري، وما دَرَوا أن هذا البيت الذي تربى على الزهد والقناعة حتى استوى عنده الأبيض والأصفر، وحتى نزلت فيهم (هل أتى)، لا يفكر بالجانب المادي كثيرا ولا يعول عليه في حساباته الدنيوية - إن كانت -، وإلا فالحسابات الأخروية أبعد ما تكون عن المادة، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى أن شجاعة علي (عليه السلام) ما كان يقف أمامها جيش كامل، فلم يكن بعيدا ما فعله في خيبر في السنة الثامنة للهجرة حيث قتل فرسانهم واقتحم قلاعهم بمفرده، وغيرها من بطولاته وتضحياته الجسام في حروب وغزوات النبي (صلى الله عليه وآله)، فلو كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يفكّر في هذا الأمر لما حال دونه قلة الناصر وهو من يعرفونه في هذا الجانب.
وقد يقال: ولكنه (عليه السلام) قد دار بالزهراء (عليها السلام) على بيوت الأنصار ليطلب منهم الانضمام إليه حتى يطالب بحقه مذكّرا إياهم بما نص عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الغدير وغيرها من المناسبات من خلافته عن الله تعالى.
ولكن جوابه ظاهر، إذ أنه أراد أن يلقي الحجة على الناس في عدم النهوض بالأمر مع عدم وجود الناصر، وليعتذر أمام الله تعالى بتنكر الناس لحقه وعدم مناصرته على طلبه من غاصبيه.
الضربة الاستباقية التي تشغل الخليفة الشرعي عن المطالبة بحقه الإلهي بالخلافة، وذلك بشغل هذا البيت النبوي بأمر مادي إن عجز عن استرداده يكون استرداد الخلافة بعد ذلك أبعد.