الجينية: ثورة على الديانة الهندوسية، استنكرت آلهتها وطبقاتها، لكنها ليست بعيدة عنها، فهي ديانة منشقة عنها، ذات طابع فلسفي، نشأت في الهند القديمة تبعا لتعاليم مؤسسها (مهافيرا) في القرن السادس (ق.م) وما تزال إلى يومنا هذا، وإن لم تتجاوز الحدود الهندية.
ولا تعترف الجينية بالروح الأكبر، أو بالخالق الأعظم لهذا الكون، الذي تعتقد به الهندوسية وهو رب الأرباب عندهم، لكنها تعترف بوجود أرواح خالدة يجري عليها التناسخ.
ولم يستطع الجينيون أن يتحرروا تحرراً كاملاً من فكرة الألوهية، فاتخذوا في النهاية من مهافيرا معبوداً لهم، زاعمين أن اسمه من اختيار الآلهة، ومعناه البطل العظيم، وقد ولد عام (599ق.م)، وينحدر من أسرة من طبقة (الكاشتر) المختصة بشؤون السياسة والحرب، وأبوه (سدهارتها) أمير مدينة في ولاية (بيهار)، وعاش في كنف والديه متمتعاً بالخدم والرفاهية والملذات، وبعدها ترهبن في سن الثلاثين، حلق رأسه ونزع حليّه، وملابسه الفاخرة، وصام يومين ونصف يوم، ونتف شعر جسده، وهام في البلاد عارياً كالمجنون، وبدأ مرحلة من الزهد، والعيش في فقر مدقع، وكانَ سِنُّهُ آنذاك ثلاثين عاماً، وقد غرق في تأملاته ورهبانيته، مداوماً على الصمت المطبق، سادّاً رمقه بالصدقات التي تقدم إليه، فعلى يديه قد تبلورت معتقداته، وبدأ مرحلة الدعوة لمعتقده، فدعا المقربين منه، ثم أهّل مدينته، ومن ثم دعا الملوك والقادة الهنود، فوافقه كثير منهم في دعوته الإلحادية الهزيلة، واستمر بدعوته المضلة حتى بلغ الثانية والسبعين فتوفي عندها مخلِّفاً وراءه مذهباً وأتباعاً ومريدين، تاركا فيهم كتابه (المقدس)، وهو عبارة عن خمس وخمسين خطبة له، وستة وثلاثين سؤالاً قد أجاب عنها، يضاف له بعض الوصايا المنسوبة للرهبان والنسَّاك الجينيين.
والجينية تدعو إلى التحرر من كل قيود الحياة والعيش بعيداً عن الشعور بالقيم والأخلاق؛ حتى لا يشعر الراهب بحب أو بكره، بحزن أو بسرور، بحرّ أو ببرد، بخوف أو بحياء، بخير أو بشرّ، بجوع أو بعطش، فيصل معتنقها إلى درجة من الخمود والجمود؛ بحيث تقتل في نفسه جميع العواطف البشرية، بغية إخماد شعلة الحياة في نفسه، وأحياناً يلجأ معتنقها إلى قطع الروابط بالحياة عن طريق الانتحار، فيعتبر غاية لا تتاح إلّا لخاصة الرهبان.
وتدعو الجينية أيضا إلى عدم إيقاع الأذى بذي روح مطلقاً لقداسته، حتى أن بعض الرهبان ينظف طريقه أو مجلسه بمكنسة خشية أن يطأ شيئاً فيه روح، ويضع بعضهم غشاءً على وجهه خوفا من استنشاق كائن حي من الهوام العالقة في الهواء.
ولا يعمل الجينيون في الزراعة حذراً وخوفاً من قتل الديدان والحشرات، ولا يشتركون في قتال خوفاً من إراقة الدماء وقتل الأحياء.
كما يوجب الجينيون إطاعة الشعب لحاكمه، وذبح كل من يتمرد عليه، أو يعصي أوامره، وهذا تناقض عجيب مع ما تقدم، وعلى العموم صار للجينيين نفوذاً كبيراً في بلاط الملوك والحكام في العصور الوسطى.
تنقسم الجينية إلى ثمان فرق أو أكثر، أهمها:
1- ديجامبرا: أي أصحابُ الزيِّ السماويِّ العُراة، الذين يسيرون في الشوارع بدون كساء يستر بدنهم، من غير شعور بالحياء، أو الخجل من الناس، وهي قمة قتل الشعور بالآخرين، ومعظمهم من الكهان والرهبان والمتنسكين.
2- سويتامبرا: أي أصحاب الزي الأبيض، وهم طبقة العامة المعتدلون الذين يتخذون من حياة مهافيرا الأولى نبراساً لهم.
ومن معتقدهم أيضا (الكارما) فهو كائن مادي يخالط الروح، ولا سبيل لتحريرها منه إلّا بشدة التقشف والحرمان من الملذات، ويظل الإنسان عندهم يولد ويموت ما دامت الكارما متعلقة بروحه، ولا تطهر نفسه حتى تتخلص منها، حيث تنتهي رغباته وعندها يبقى حياً خالداً في نعيم النجاة، وهي مرحلة الخلاص التي قد تحصل في الدنيا بالتدريب والرياضة أو بالموت.
المصادر:
كتاب (حضارة الهند) لغوستاف لوبون، وكتاب (الفلسفة الجينية) لمحي الدين الألوائي، وكتاب (أديان الهند الكبرى) للدكتور أحمد شلبي، ط6، النهضة المصرية، وكتاب (أديان العالم الكبرى) لحبيب سعيد، وكتاب (المدخل إلى دراسة الأديان والمذاهب) لعبد الرزاق محمد أسود.
المصدر: مجلة اليقين العدد (29)